[سنن العيدين ومستحباتهما]
أول سنن العيد: الغسل بعد صلاة الصبح؛ لحديث نافع: أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو للمصلى.
والأغسال المستحبة ستة: وهي غسل الجمعة، والعيدين، والإحرام، ودخول مكة، ويوم عرفة، وغسل من غسل ميتاً.
السنة الثانية: التطيب والتزين؛ لحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد).
وجعفر هو ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد أبو جعفر هو: محمد الباقر، وعلي بن الحسين هو: زين العابدين، والحسين هو: الشهيد رضي الله عنه سيد شباب أهل الجنة، وعلي بن أبي طالب هو ختن الرسول وزوج البتول، ومعنى: ختن الرسول، أي: صهره، وزوج البتول فاطمة رضي الله عن الجميع.
فيستحب للإنسان في يوم العيد أن يلبس من الثياب أحسنها، وأن يضع من الطيب ألطفه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس في كل عيد بردة حبرة، أي: مخططة، وكان يتخذ عليه الصلاة والسلام اللباس للعيد وللوفود، فإذا أتاه وفد لمقابلته كان يلبسه عليه الصلاة والسلام، وإلا فهو ذا سمت ووضاءة بأي لباس، كما قالت الصحابية: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك ترى الشمس طالعة، وكما قال أحد الصحابة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بدر وكانت ليلة الإضحيان -أي: ليلة مقمرة- فجعلت أنظر إلى القمر تارة وأنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم تارة فلهو أجمل في عيني من القمر عليه الصلاة والسلام، ولكنه كان من أدبه وسنته: أن يتخذ ليوم العيد ثياباً مخصوصة.
السنة الثالثة: المشي إليها -أي: إلى صلاة العيد-؛ لقول علي رضي الله عنه: من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً.
وقد تقدم أن قول الصحابي: من السنة كذا، أن له حكم الرفع، أي: كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اخرجوا إليها ماشين، وهكذا يوم الجمعة فنقول: من لم يشق عليه المشي فعليه به، أما من يشق عليه فله أن يركب.
ويسن تأخر الإمام إلى وقت الصلاة، ودليله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد فأول شيء يبدأ به الصلاة) رواه الشيخان، فصلاة العيد يسن للناس التبكير إليها، فبعد صلاة الفجر يمشي الإنسان إلى المصلى ثم ينشغل بالتكبير إلى أن يخرج الإمام، والإمام ليس من السنة في حقه أن يبكر، وإنما يخرج وقت الصلاة مباشرة، فإذا رآه الناس قاموا إلى صلاتهم، كما هو الحال في الجمعة، أي: من السنة أن يخرج الإمام من بيته إلى المنبر، وليس كما يظن بعض الأئمة: أن من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الثانية بقرة ثم يقيس العيد عليه، فنقول: هذا مثاب على نيته، ولكنه ليس مثاباً على عمله؛ لأن عمله مخالف للسنة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته إلى المنبر في يوم الجمعة، وكان يخرج من بيته إلى المصلى في يوم العيد.
السنة الرابعة: أن يرجع من طريق غير التي أتى منها؛ لحديث جابر رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق)، فإن قيل: إن الحكمة كثرة الخطى، قلنا: قد يكون الطريق الثاني أقل من الأول، إلا أن يقال: بأن الطريقين كلاهما أطول من الآخر، وهذا مستحيل، فلابد أن يكون أحدهما أطول من الآخر.
وقد قيل: إن الحكمة من ذلك: ليشهد له الطريقان، وقيل: ليشهد سكانهما من الجن والإنس، وقيل: ليسوي بينهما في مزية الفضل بمروره، هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست هناك ميزة لغيره، لكن الصحيح: أن الطريق الذي يمر منه النبي صلى الله عليه وسلم له مزية ولا شك في ذلك، وقيل: للتبرك به صلى الله عليه وسلم، أو لتشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها، وقيل: لإظهار شعار الإسلام فيهما، وقيل: لإظهار ذكر الله تعالى، وقيل: ليغيظ الكفار والمنافقين واليهود، وقيل: ليرهبهم لكثرة من معه من الرجال، وقيل: حذراً من كيد الطائفتين أو إحداهما، والطائفتين هما: اليهود والمنافقين، وهذا ضعيف؛ لأنه لو كان كذلك ما كرر المرور عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معروف بعد الإسلام أنه قضي على اليهود، وقيل: فعل ذلك ليعم المسلمين بالسرور به، والتبرك بمروره ورؤيته، والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعليم أو الاقتداء أو الصدقة أو السلام عليه، وقيل: ليزور أقاربه الأحياء والأموات، أي: يزور ذهاباً وإياباً، وقيل: ليصل رحمه، وقيل: للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضى، وقيل: كان في ذهابه يتصدق عليه الصلاة والسلام، فإذا رجع لم يبق معه شيء، فيرجع من طريق آخر لئلا يرد من سأله، وهذا الذي قال هذا الكلام هل كان مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهل راقب جيبه؟! فهل يعجز عليه الصلاة والسلام أن يقول: ليس عندي، فهذا في الحقيقة بعيد.
وكان بعض الناس يأتي ويطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اذهب إلى السوق والشيء الذي تشتريه علي قضاؤه، حتى مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأشفق على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ما كلفك الله؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال عمر رضي الله عنه، فقال أحد الأنصار: يا رسول الله! أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، فتهلل وجهه عليه الصلاة والسلام، وليس هناك كرم مثل هذا، فالكرم من الإنسان أن ينفق شيئاً مما عنده، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فينفق كل ما عنده، بل أكثر من ذلك إذا نفد ما عنده وأتاه من يسأله قال له: خذ، وعليَّ قضاؤه.
فالتعليل الأخير لمخالفة طريقه عليه الصلاة والسلام تعليل ضعيف.
وقيل: إنه خالف بين الطريقين لتخفيف الزحام، وقيل: كان طريقه التي يرجع منها أبعد من التي يتوجه فيها، فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطى في الذهاب، وأما في الرجوع فمن أجل أن يسرع إلى منزله، أي: أن الطريق الذي يذهب منه بعيد، والطريق الذي يرجع منه قريب، فهو يسلك البعيد في الذهاب من أجل كثرة الأجر، ويرجع من الطريق القريب في الرجوع حتى يدرك منزله، وهذا غير صحيح.
وقد ذكرنا حديث أبي بن كعب وفيه: (الرجل الذي كان أبعد الناس مسكناً من المسجد، وكانت لا تخطئه صلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قالوا له: لو ابتعت حماراً لليلة الظلماء والليلة الشاتية؟ قال: إني لأرجو أن يكتب الله لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي منه، فقال له صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله) معناه: أن أجر الذهاب والرجوع مكتوب، فلو كان الطريق بعيداً كما قيل لكان النبي صلى الله عليه وسلم سيحرص على أن يذهب منه ويرجع.
والمقصود من سرد هذه الأقوال: أن نعرف أن الأئمة رحمهم الله أجهدوا أنفسهم واستفرغوا وسعهم في فهم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس صحيحاً ما يظنه بعض الناس: أن مثل أئمة الحديث هؤلاء يروون الأحاديث دون فقه بمعناها، حتى قال بعض الناس: إن علماء الحديث مع أهل الفقه بمنزلة من يأتي بالطوب والبناء يبنيه كما يريد، وما من شك بأن هذا خطأ، فعلماء الحديث رحمهم الله فقهاء، ولذلك لو تأملنا صحيح البخاري وجدنا أنه لا يخلو من الفقه، قال العلماء: تراجم البخاري دليل فقهه أي: أنه يستنبط من الأحاديث.
السنة الخامسة: الأكل قبل الغدو يوم الفطر؛ لحديث أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي رواية: (وتراً)، والوتر أقله واحدة، لكنه كان يأكل أكثر من واحدة؛ لأنه قال: يأكل تمرات، والمعنى: أن أقلها ثلاث، أما ما يصنعه بعض الناس كأن يأكل كيلو بمفرده، ومن ثم يأتي إلى المصلى ويمسك ببطنه ويصلي الركعتين، ويخرج سريعاً ولا يحضر الخطبة، فليس هذا من السنة، فالسنة أن تأكل تمرات، وجاء في الحديث الصحيح: (من تصبح بسبع تمرات من تمر المدينة -وفي بعض الألفاظ: ما بين لابتيها، وفي بعض الألفاظ: من تمر العوالي- لم يضره سم ولا سحر بإذن الله).
السنة السادسة: تأخير الفطر يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته، لحديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي).
وقوله: (فيأكل من أضحيته) مفهومه: بأن الذي لا يضحي لا حرج عليه لو أكل قبل خروجه للصلاة، لكن من كان يريد اتباع السنة وكان ذا سعة وأمكنه الله من الأضحية فلا يأكل حتى يرجع فينحر فيأكل من أضحيته.
السنة السابعة: التكبير جهراً في الغدو إلى المصلى، ويستمر التكبير إلى الشروع في الصلاة، فإذا جلسنا بعد صلاة الفجر فنبدأ بالتكبير ونرفع أصواتنا إلى أن يحين وقت الصلاة، وبالنسبة لعيد الفطر: فالمشروع: التكبير من ليلة العيد، لقول الله عز وجل: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:١٨٥].
وأما بالنسبة للأضحى: فنكبر من ظهور هلال ذي الحجة، لحديث نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى، ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير.
وإذا خرجت إلى المصلى فلا تصلي ركعتين، وإنما تأتي فتجلس وتستمر في التكبير حتى إذا خرج الإمام تقطع التكبير.
السنة الثامنة: أداء الصلاة في المصلى، أي: في الصحراء؛ لحديث أبي سعيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى)، وتكره صلاتها في المسجد إلا لعذر، كالبرد الشديد، والريح.
فأحياناً يمنع الناس من الخروج إلى المصلى عذر كالمطر أو الريح، أو عدم وجود مكان، أو أن السلطات منعت، كما حصل في بعض البلاد، فلا يصيروها فتنة في ي