تفسير قوله تعالى:(والعاديات ضبحاً * فالموريات قدحا)
قال الله تعالى:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}[العاديات:١] العاديات: هي الخيل التي تعدو، وتغير على الأعداء.
وقوله:((ضبحاً)) مفعول مطلق من صوت الخيل، يقال: ضبحت ضبحاً إذا أصدرت صوتاً معروفاً، قال ابن عباس لا يضبح من الدواب إلا ثلاثة: الخيل والكلب والثعلب.
قال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: سمعت ابن عباس يحكي صوت الضبح: أح، أح.
وابن عباس رضي الله عنه وكثير من المفسرين قالوا:(العاديات) هي الخيل تعدو على الأعداء، لكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يرى أن العاديات هي الإبل، يقول ابن عباس رضي الله عنه:(بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فقال لي: يا ابن عباس! ما قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}[العاديات:١]؟ فقلت له: الخيل حين تعدو على الأعداء، ثم إذا جن الليل فإنها تأوي بمن معها من الفرسان، فيورون أي: يوقدون نارهم، ويصنعون طعامهم، فذهب الرجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو جالس عند سقاية زمزم، فقال له: ما قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}[العاديات:١]؟ فقال له علي: هل سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عباس فقال: هي الخيل حين تعدو في سبيل الله، فقال له علي: اذهب فأتني به، يقول ابن عباس: فلما وقفت عليه، قال لي: يا ابن عباس! أتفتي فيما لا علم لك به؟ انظروا أيها الإخوان إلى الشدة في الكلام، يقول علي هذا لـ ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، الذي مسح النبي عليه الصلاة والسلام على رأسه وقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) وعمر رضي الله عنه كان يرجع إليه في المعضلات.
فـ علي يزجر ابن عباس ويقول:(أتفتي فيما لا علم لك به؟ والله إن كانت أول غزوة غزيناها بدراً، وما لنا إلا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحاً هي الخيل؟! بل هي الإبل تعدو من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى) هذا رأي علي رضي الله عنه.
قال ابن عطية رحمه الله في المحرر الوجيز: وفي الآية قسم بالخيل أو بالإبل أو بهما معاً، فلا معارضة بين قول ابن عباس وقول علي، لكن أكثر المفسرين يقولون بقول ابن عباس بأن العاديات هي الخيل.
قال الله تعالى:{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا}[العاديات:٢].
الخيل تضرب بحوافرها الحجارة فتتقد ناراً.
وقال عكرمة: الموريات قدحاً هي الألسنة؛ لأنها تقدح الحجج وتظهره، قال ابن عطية رحمه الله: وهذا على سبيل الاستعارة وليس على الحقيقة.