هذه الآية فيها فوائد كثيرة منها: الفائدة الأولى: الحث على النفقة في جميع طرق الخير، إذ قال: أنفقوا، ولم يعين باباً، فالأبواب كلها أبواب خير، فلك أن تنفق في علاج مريض، أو كفالة يتيم، أو إطعام جائع، أو التصدق على مسكين، أو كسوة عار، أو تفطير صائم، أو في بناء مسجد، إلى غير ذلك من أبواب الخير.
الثانية: التذكر بنعمة الله على الناس؛ لأنه جل جلاله هو الذي رزقهم، وأنعم عليهم بالنعم.
الثالثة: أن الله عز وجل أمرنا بإنفاق بعض المال لا كله، إذ لم يقل: أنفقوا ما رزقناكم، وإنما قال:(مما رزقناكم)؛ لأن الله عز وجل يعلم أن النفس مجبولة على الشح؛ ولذلك الله عز وجل قال:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُوْن}[البقرة:٢ - ٣]، فقال مما رزقناهم هو يمثل الجزء، فلذلك لو احتسبت الزكاة في المليون فستكون خمسة وعشرين ألفاً، وهي لا تمثل شيئاًً، وفي أربعين شاة شاة، وفي ثلاثين بقرة تبيع، وفي خمس من النوق شاة، فدائماً الصدقة القليلة متقبلة عند الله عز وجل.
الرابعة: دلت الآية على أن هذه النفقات مدخرة عند الله ليوم لا تفيد فيه المعاوضات بالبيع ونحوه، ولا التبرعات ولا الشفاعات، ولذلك الممسك يوم القيامة يندم، ويقول:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:٢٨]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المنافقون:٩ - ١١]، فهذا تحذير من الغفلة وتنبيه لوجوب الأخذ بأسباب النجاة التي تعين في نجاة العبد يوم القيامة، ثم حصر الظلم في الكفار؛ لأنهم خرجوا على ما خلقهم الله له، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً.