المسألة الأولى: نعت هذه السورة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، وأخبرت النبي الأكرم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بأنه ميت، وأن أجله قد دنا، ويدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني في مجلسه، فوجد بعض الناس من ذلك في نفسه، يعني: بعض كبار الصحابة قالوا: لم يدخل عمر هذا الغلام ولنا أبناء مثله؟ يعني: إذا سمح لصغار السن بالدخول فليسمح للجميع، فتألم عمر رضي الله عنه ولم يعجبه ذلك منهم، فقال لهم: إنه من قد علمتم، يعني: هذا الشاب الصغير الذي أدخله عنده من العلم والفهم والقدرة على تأويل القرآن ما ليس عند كثير من الكبار، ثم أراد أن يريهم ذلك عملياً فدعاه يوماً معهم، ثم قال لهم: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر:١]؟ فقال بعضهم: أمرنا ربنا إذا نصرنا وفتح علينا أن نحمده ونستغفره، وسكت آخرون، قال: وأنت يا ابن عباس ما تقول؟ قال: أقول: هذه السورة نعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه.
قال الله عز وجل:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر:١]، أي: فتح مكة، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}[النصر:٢]، فتلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر:٣].
فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تقول، أي: هذا الذي تقوله هو الصواب، ويؤيد ذلك رواية الإمام البيهقي رحمه الله عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه السورة دعا ابنته فاطمة رضي الله عنها وقال لها: إنه قد نزلت علي سورة، فقرأها عليها، ثم أسر إليها بكلمات فبكت، ثم أسر إليها بكلمات فضحكت، ثم أخبرت رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسر إليها بأنه مقبوض فبكت، ثم أسر إليها بأنها أول أهله لحوقاً به فضحكت رضي الله عنها، وقد لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أربعين يوماً من وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد توفاها الله ولما تبلغ الثلاثين من عمرها، فلحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين في جنات نعيم ترد عليه حوض الكوثر.
فلذلك يقول محمد إقبال رحمه الله: نسب المسيح بن مريم سيرة بقيت على طول المدى ذكراها والمجد يشرق من ثلاث مطالع في مهد فاطمة فما أعلاها هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يداني في الفخار أباها هي ومضة من نور عين المصطفى هادي الشعوب إذا تروم هداها صلى الله عليه وسلم.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:(فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها، ويريبني ما أرابها).