[من فوائد الآية]
في هذه الآية العظيمة فوائد كثيرة منها: أولاً: النهي عن الجائز إذا كان وسيلة إلى محرم.
ثانياً: وجوب الأدب واستعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا الحسن.
ثالثاً: ترك الألفاظ القبيحة أو التي فيها احتمال لأمر غير حميد، ومن هنا أخذ المالكية رحمهم الله وجوب حد القذف بالتعريض.
رابعاً: وجوب التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مخاطبته وترك استعمال أي لفظة قد يفهم منها غير الإجلال والإكبار له صلى الله عليه وسلم.
خامساً: وجوب السماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتقيد بأمره صلوات الله وسلامه عليه واجتناب نهيه، وعند مخاطبته لمن أكرمهم الله عز وجل بمعايشته والجلوس إليه عليه الصلاة والسلام.
سادساً: تحريف الكلم ليس أمراً غريباً على اليهود، قال الله في شأنهم {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:٤٦].
سابعاً: النهي عن التشبه بالكافرين، قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).
ثامناً: وجوب التأدب عند سماع القرآن، قال تعالى: ((وَاسْمَعُوا))، وقال سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤].
تاسعاً: أن العذاب الأليم جزاء لمن كفر وأعرض.
عاشراً: التمسك بسد الذرائع، وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وأدلة سد الذرائع كثيرة، وقد دل على ذلك الكتاب في قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨]، وقوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:١٦٣] الآيات.
وفي السنة حديث عائشة رضي الله عنها في ذكر أم سلمة وأم حبيبة كنيسة رأتاها في أرض الحبشة وما فيها من التصاوير (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله).
وقال عليه الصلاة والسلام: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)، وقال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد).
وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور متشابهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، فجعل التعرض لسب الآباء كسب الآباء.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم).