وكاتب هذه الكلمات سيد قطب رحمه الله تمكن منه أهل الطغيان، وسجن وعذب وأوذي، ثم في ختام الأمر قتل رحمة الله عليه، لكن هل ذهب فكره؟ وهل نسي أمره؟ وهل ذابت عقيدته؟ لا، والله! بقيت كلماته كما قال: إن كلماتنا تبقى عرائس من الشمع حتى إذا رويناها بدمائنا دبت فيها الحياة، فما زال إلى يومنا هذا كثير من أبناء حركة الإسلام والصحوة الإسلامية موجههم الأول هو فكر سيد قطب، وما بثه وما نثره في كتبه.
بل أبلغ من ذلك أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام رحمة الله عليه، هذا الرجل الذي قاتل التتار، وقاتل الصليبيين، وأحيا السنة، وأمات البدعة، وجاهد في الله حق جهاده، بعض العلماء هددوه وما اتقوا الله فيه، ووشوا به عند السلطان، فألقي في السجن ومات فيه، رحمة الله عليه، فمات في سجن القلعة، لكنه ما هزم، بل ما زال فكره رحمه الله هو المغذي وهو المحرك، وما زال علماء الإسلام يرجعون إلى فتاويه وإلى كتبه وإلى أقواله التي طبقت المشارق والمغارب.
وأبلغ من هذا وأوضح الإمام أحمد رحمة الله عليه الذي جلد بالسياط في فتنة خلق القرآن، لكنه رضي الله عنه ما تنازل ولا تغير؛ فجعل الله العاقبة له وأظهر أمره، وصار إمام أهل السنة.
ومن قبله مالك رحمة الله عليه وأبو حنيفة وسفيان الثوري وغير هؤلاء كثيرون ممن لم يطيعوا الذين كفروا، ولم يداهنوا الذين نافقوا، ولم يتنازلوا عن شيء من الدين، فما ردوا على أعقابهم خاسرين، بل جعل الله لهم رفعة الذكر في الدنيا وإن شاء الله جنة عرضها السموات والأرض في الآخرة.
وهناك أناس يطيعون الذين كفروا شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ بهم الأمر أن يتنازلوا عن الدين كله، نسأل الله السلامة والعافية.