للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة في تفسير سورة التكاثر]

سورة التكاثر سورة مكية، وعدد آياتها ثمان، وكلماتها ثمان وعشرون كلمة، وحروفها عشرون ومائة حرف.

أما سبب نزولها فهو كما قال مقاتل بن سليمان الكلبي: أن حيين من قريش افتخرا: وهم بنو عبد مناف وبنو سهم، كل حي منهما قال: نحن أعز نفراً، وأكثر كاثراً، حتى بلغ بهم الحال أن بني عبد مناف كثروا على بني سهم فذهبوا إلى المقابر وأخذوا يعدون موتاهم ويقول كل حي للآخر: أفيكم مثل فلان؟ ويشيرون إلى قبره، أفيكم مثل فلان؟ حتى كثر بنو سهم على بني عبد مناف.

وقيل: بل نزلت في حيين من الأنصار: وهم بنو الحارث وبنو حارثة.

وقيل: بل نزلت في حيين من يهود: وهم بنو النضير وبنو قريظة.

على كلٍّ فقد نزلت الآية لمعالجة خلل في النفس الآدمية، وهذا الأمر قد تكرر في القرآن، فقد حكى ربنا جل جلاله عن ذلك الخاسر الشقي الذي قال لصاحبه وهو يحاوره: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:٣٤]، وحكى الله جل جلاله عن الوليد بن المغيرة، ذاك الذي آتاه الله مالاً ممدوداً، وبنين شهوداً، ومهد له تمهيداً، ثم بعد ذلك ظن أن الله أعطاه هذا كله؛ لأنه كريم على الله، وظن نفسه أهلاً للنبوة وللرسالة، فكانت عاقبته كما قال الله عز وجل: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر:١٧] أي: سأكلفه أن يصعد جبلاً في جهنم، كلما بلغ قمته خر إلى قاعه.

وقد بين عز وجل في القرآن أن التكاثر يكون في شيئين: في الأموال والأولاد، وهذا كله سماه الله عز وجل: لهواً ولعباً كما في قوله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:٢٠]، وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤]، وقوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنعام:٣٢]، وبين ربنا جل جلاله أنما عنده خير وأبقى، كما قال سبحانه: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:١١].

فالله عز وجل أنكر على هؤلاء الناس الذين يتكاثرون بالأموال والأولاد وبالعشيرة وبالأنساب.