قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:٢] الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة له تبع، وفي الآية إظهار في مقام الإضمار، قال تعالى:((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ))، فالمعطي هو الله جل جلاله، وفي غير القرآن يمكن أن يقال: فصل له وانحر، لكن قال:((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، والإتيان بالاسم الظاهر مقام الاسم المضمر من أجل الإشعار بأنه جل جلاله مستحق للعبادة؛ لكونه يربي الناس بنعمه لكون عطائه وإفضاله متواصلاً، ثم أضيف الاسم الظاهر لضمير المخاطب: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ))، وهذا تشريف للرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}[قريش:٣]، وهو رب البيوت كلها، فالله عز وجل هو رب محمد صلى الله عليه وسلم ورب الناس جميعاً، ففي هذا تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، وإيماء إلى أنه يربيه ويرعاه ويحوطه ويكلؤه صلوات الله وسلامه عليه.
ومن عجائب التفسير أنَّ بعض المفسرين قال في قوله تعالى:((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ))، المراد بالنحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا تفسير بعيد، ففي الآية ترتيب وهو الصلاة ثم النحر ورسول الله صلى الله عليه وسلم رتب ذلك فقال:(إنَّ أول ما نبدأ به يومنا هذا -يوم العيد- أن نغدو فنصلي ثم نرجع فننحر نسكنا، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما شاته شاة لحم ليست من النسك في شيء)، واتفق أهل العلم على أن من ذبح قبل الصلاة فذبيحته غير مجزئه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان في طريقه للمصلى شم ريح شواء، فقال:(ما هذا؟ قالوا: أبو بردة -أحد الصحابة- ذبح فالرسول صلى الله عليه وسلم استدعاه، قال له: ما هذا؟ قال: يا رسول الله! اشتهيت اللحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذبح مكانها أخرى) أي: فهذه الذبيحة لا تنفع، لأن الله عز وجل رتب بينهما فقال:((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ))، وفي سورة الأعلى قال:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:١٤ - ١٥]، فزكاة الفطر قبل صلاة العيد، أما في سورة الكوثر فصلاة العيد قبل النحر:((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)).