قال الله عز وجل:((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))، المعاشرة: مفاعلة من العشرة وهي المخالطة، ومشتقة من العشيرة أي: الأهل، والمعروف ضده المنكر، وسمي الأمر المكروه منكراً؛ لأن النفوس لا تأنس به، فقوله تعالى:((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))، معناه: أنصفوهن في المبيت والنفقة وأجملوا في القول، وطيبوا أقوالكم لهن.
قال أهل العلم: تطييب القول يكون في النداء، فتنادي زوجتك بالاسم الطيب: يا فلانة! أو كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يقول: (يا عائش!) أو يقول: (يا حميراء!)، ونحو ذلك، كنوع من التدليل للزوجة، فهذا من السنة، ومن غلظت طباعهم لا يعرفون هذا الكلام، وليس من السنة ولا من الأدب أن تناديها: يا امرأة! فهذا لا يجوز، وهذا من سوء المعاشرة وعدم الطيب، بل الواجب أن تناديها بأحب الأسماء، كيا فلانة! أو يا أم فلان، أو تلقبها وتدللها ثم بعد ذلك تجمل في الطلب، أحضري لي كذا، فإذا أردت أن تأتي لك بما تريد تدعو لها، كجزاك الله خيراً، أو أحسن الله إليك، ونحو ذلك من الكلام.
فطيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم معهن، وحسنوا هيئاتكم، يعني: كما تحب من زوجتك أن تتجمل لك فأنت أيضاً تجمل لها، فهذا من المعاشرة بالمعروف كما قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:٢٢٨]، وقال صلى الله عليه وسلم:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وكان من أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، وبعض الرجال يعتقد أن من الحزم أن يكون دائماً عبوساً! وهذا خطأ، بل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضاحك أهله ويسابق عائشة رضي الله عنها، ويتودد إليها بذلك، كما قالت عائشة:(سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم) يعني: قبل أن تبدن، وتسمن، (ثم سابقته بعد أن حملت اللحم فسبقني وقال: هذه بتلك)، يعني: واحدة بواحدة.
وكان صلى الله عليه وسلم يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها، يعني إذا كان مبيته عند أم سلمة، فكل نسائه يجتمعن في بيت أم سلمة ويتناول معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار عليه الصلاة والسلام.
وبعض الرجال بلغ به من سوء العشرة أنه لا ينام معها في سرير واحد قط، بل عندما ينزل في بعض الفنادق ويجد أن السريرين ملتصقان، ينادى العامل في الفندق ويقول له: أبعد السريرين عن بعضهما! فهذا من سوء المعاشرة ومن غلظة الطبع نعوذ بالله من ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء يدخل منزله ويسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام ويؤانسهم بذلك، فهذا من عاداته صلى الله عليه وسلم مع أنه كان مشغولاً، فهو إمام المسجد، وهو القائد، وهو رئيس الدولة، وهو النبي الذي يوحى إليه، وهو القاضي، وهو المفتي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، ومع ذلك عليه الصلاة والسلام كان يسمر مع أهله، وليس كما يصنع بعض الرجال الآن لا يأتي البيت إلا آخر الليل، فإذا أرادت أن تكلمه بشيء يقول: أنا تعبان أو أنا مشغول، أو أنا كذا، ثم يعطيها ظهره وينام، وقد يحصل بسبب هذا كراهية.