قال الله تعالى:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}[التكاثر:٣ - ٥](كلا) تكررت هنا ثلاث مرات، وللمفسرين فيها قولان: الأول: أنه جيء بها ردعاً وزجراً.
الثاني: أنها جارية مجرى القسم، ومعناها حقاً.
وقال بعض أهل التفسير:(كلا) هنا هي للتوكيد.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: يُروى عن بعض السلف أن قوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:٣] عند الموت، وقوله:{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:٤] عند دخول القبر، فالأولى عند الموت، يعني: إذا نزلت بك ملائكة الموت فلن يغني عنك من الله شيء من الدنيا، ولا يبقى لك إلا العمل الصالح، والثانية في القبر، يعني: إذا كنت من الصالحين أتاك رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب، فتقول له: من أنت فوجهك الذي يأتي بالخير؟ فيقول لك: أنا عملك الصالح، فوالله لقد عهدتك سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله، وإن كانت الأخرى -والعياذ بالله- أتاك رجل قبيح الوجه، منتن الريح، رث الثياب، فتقول له: من أنت، فوجهك الذي لا يأتي بالخير؟ فيقول لك: أنا عملك السيئ، فوالله لقد عهدتك بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله.
وقيل:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:٣] الأولى إذا دخلتم قبوركم، والثانية:{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[التكاثر:٤] إذا قامت القيامة الكبرى.
وقد استدل بعض أهل التفسير بهذه الآية على أن عذاب القبر حق، وعذاب القبر قد وردت فيه نصوص واضحة في القرآن والسنة، كما في سورة الأنعام قول ربنا الرحمن:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام:٩٣ - ٩٤]، وفي سورة غافر قول الله عز وجل عن آل فرعون:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:٤٦].
قال تعالى:{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}[التكاثر:٥].
(لو) هنا شرطية وجواب الشرط محذوف تقديره: لعلمتم أن التكاثر لن يغني عنكم من الله شيئاً.