وأما القول الثالث: فهو للحنفية: وهو أن الجمعة تنعقد بأربعة، واستدلوا بقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[الجمعة:٩]، فالخطاب للجمع، وأقل الجمع ثلاثة، والإمام هو الرابع، فهم استدلوا باللغة وقالوا: المفرد واحد، والاثنان مثنى، والثلاثة جمع، فلابد أن يجتمع إلى الإمام جمع فيكونوا ثلاثة والإمام هو الرابع، ويرد عليهم بأن يقال: إن الخطاب هنا يراد به الجنس لا الجمع، أي: أن الخطاب متوجه إلى كل واحد من المؤمنين، كقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}[الأحزاب:٤٩] ومعروف بأن المرأة لا ينكحها إلا واحد ولا يطلقها إلا واحد، ولكن الخطاب للجنس، وليس المقصود عدداً بعينه.
والقول الرابع: هو أن الجمعة تنعقد بثلاثة؛ لأن الجماعة تنعقد بثلاثة، وهو الذي رجحه أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وأصحاب هذا القول استدلوا على ذلك: بأن أقل الجمع ثلاثة، فلو صلى واحد واستمع اثنان لكانت جمعة، وقد روى أحمد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وأبو الدرداء اسمه عويمر بن عامر، وكان من آخر الأنصار إسلاماً وهو صاحب قصة الصنم الذي كان يعبده، فعمد إليه أحدهم فبال عليه، فجعل أبو الدرداء يمسح البول عنه ويطيبه ويقول له: فعل الله بمن فعل بك كذا وكذا، وفي اليوم الثاني جاء وقد كسر وربط مع ميتة، فهنا أبو الدرداء فطن إلى أن القوم يبعثون إليه برسائل متتابعة بأن هذا الصنم لا يستحق أن يعبد من دون الله، فأسلم بعدها.
وأبو الدرداء رضي الله عنه قد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)، فأصحاب هذا القول قالوا: ولفظ الصلاة يشمل الجمعة وغيرها، فتنعقد الجمعة بثلاثة أشخاص.