[الفرق بين خطبة النبي والناس اليوم]
أيها الإخوان! قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الزاد: كانت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملة على الوصية وتعليم الأحكام، والحديث عن الجنة بما يشوق المؤمنين إليها، وعن النار بما يخوفهم منها، ولم تكن خطب الناس اليوم إلا عن الحديث عن الموت، وأنكم ستموتون وكذا، فهذا ليس فيه جديد، والموت لا يناقش فيه أحد، حتى الكافر أبو جهل، أو فرعون أو شارون هم جميعاً مقرون بأنهم سيموتون، فقضية أن الإمام يركز على الموت فهذا لا ينبغي.
وكذلك بعض الناس يحول الخطبة إلى نشرة أخبار، وهذا أيضاً لا ينبغي؛ لأن من يبدأ خطبته بأحداث هذا الأسبوع يصير وكأنه يقرأ جريدة أو مجلة، فهذا لا ينبغي، نعم الخطيب يعالج في خطبته قضايا المسلمين، ويتكلم عن واقعهم، لكنه لا يخرج عن معنى الخطبة، ولا بد أن يربط هذا الواقع بالكتاب والسنة، لذلك تجد بعض الناس -نسأل الله العافية- يخطب وربما يتكلم على المنبر ساعة أو تزيد ولا يأتي بآية أو حديث، والخطبة الشرعية ليست هكذا.
كذلك تجد بعض الناس يموت الخطبة إماتةً فيجعل الناس ينامون، ولربما تسمع غطيط بعضهم؛ لأن كلامه فيه ملل، وخطبته لا ريح لها، (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب علا صوته عليه الصلاة والسلام، واشتد غضبه، واحمرت عيناه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام منفعل بما يقول.
ويستحب كذلك تقصيرهما ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الإمام) وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يصعد على المنبر ما يزيد على أن يقرأ سورة ثم ينزل.
وقضية الخطبة من الورقة لا بأس بها إذا كان يرى بأن الورقة أضبط للكلام، وأدعى إلى أن يأتي بالآية والحديث، كما نزل بهما الوحي، فهذا طيب، بشرط: أن يفقه ما يقرأ، أما أن يأتي شخص يأخذ له ورقاً ولا يعرف ما فيها، ويقف على المنبر، ويقول: واحد وخمسين، واحد وخمسين من أحوال المسلمين، وبعد الصلاة يأخذ الناس الكتاب فيبحثوا عن معنى واحد وخمسين لأنهم لم يفهموها فيجدونها مكتوبة: آه آه من أحوال المسلمين، وهو قرأها: واحد وخمسين واحد وخمسين من أحوال المسلمين! وبعضهم قال: إن الرباطم والزناعم وكررها ثم تركها وهي: إن الربا طم، والزنا عم، وصاحبنا قرأها: رباطم وزناعم، فبعض الناس حقيقة يحمل كتباً ألفت في غير هذه البلاد فيقف على المنبر يقول: ما بال الفساد قد انتشر في شارع عماد الدين! وشارع عماد الدين من الشوارع المعروفة في القاهرة، وهو يكلم الناس عن شارع عماد الدين وليس موجوداً، ولو قال: في شارع الجمهورية لكان أمراً معقولاً.
وبعض الناس يدعو أيضاً لبعض السلاطين الذين ماتوا؛ لأن تأليف الكتاب قديم، فمثل هذا كله حرام؛ لأن خطبة الجمعة مسئولية، وكما قيل: بأن الجمعة حصة ثقافية أسبوعية إجبارية، والله عز وجل هو الذي أتى بالناس ولم تات أنت بهم، فربنا سبحانه هو الذي جمعهم لك.
ثم في الجمعة مزية ليست في غيرها من الدروس ولا المحاضرات: وهي أنه لا يستطيع أحد أن يمشي، أليس كذلك؟ بينما الآن في الدرس من الممكن للبعض أن يخرج، وكذلك في الجمعة لا يصلح الكلام، بينما الآن يصح أن تتكلم مع صاحبك، وكذلك لا يمكن أن تضحك في الجمعة.
فينبغي للإمام أن يتقي الله عز وجل، فيعتني بالجمعة بأن يوصل للناس معلومات صحيحة ولو كانت يسيرة أو قليلة، فليس بالضرورة أن أخطب ساعة، أو أربعين دقيقة أو نصف ساعة، ولو كانت الخطبة في عشر دقائق يخرج الناس منها بفائدة لبرئت الذمة أمام الله، أما أن يكون همه أن يقولوا: فلان خطب ساعة! أو فلان خطب خمسة وأربعين دقيقة، ولا يبالي بما يقول، فمثل هذا مذموم مقبوح ولا تبرأ ذمته عند الله.
أيها الإخوان! ينبغي أن يستحضر الإمام أنه قائم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو في أشرف المقامات، فإن أول من تولى الخطبة هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
فينبغي أن يستحضر الإمام ذلك فيتقي الله في كلامه الذي يوصله إلى المسلمين.
كذلك ينبغي له أن يتأدب بالآداب الشرعية؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته ما كان يزيد على أن يشير بأصبعه عليه الصلاة والسلام، وليس كما يصنع بعض الأئمة من التلويح بقبضته كأنه يهدد أمريكا وروسيا، أو كما يفعل بعض الأئمة بأن يضع يديه في خاصرتيه ونحوه، أو يضرب المنبر، وبعض الأئمة يبلغ به الحماس فيشير بكذا إلى أن تطير الساعة من يده، وبعض الأئمة خطب يوم الجمعة فلما قام طارت الساعة، وبعد قليل وقع العكاز، فقام شخص من الناس من كبار السن وأخذ حذاءه وذهب، فعاتبه الإمام وقال: يا فلان! أنا أخطب وأنت ذاهب؟! فقال له: وقعت الساعة ثم وقع العكاز ثم بعدها لا أدري ماذا سيقع؟! فينبغي للإمام يوم الجمعة أن يتقيد بهذه الآداب فلا يكثر من الحركات والالتفاتات، وإنما يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان لا يزيد على أن يشير بإصبعه حتى في الدعاء الأخير، وبعض الأئمة تجده يرفع يديه في نهاية الخطبة، ولما أرى أحد الصحابة رضوان الله عليهم أحد الناس يخطب في الجمعة ويرفع يديه، قال: قبح الله هاتين اليدين القصيرتين، والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد على أن يشير بأصبعه حتى في الدعاء.
أما بالنسبة للشعر فليس منه مانع إذا كان شعراً فيه ذكر لشمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان شعراً يرقق القلب، ويرغب في الآخرة، أو كان فيه ثناء على الصحابة رضوان الله عليهم، أو على الصالحين من عباد الله فلا مانع من ذلك إن شاء الله.