للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشفاعة المنفية والشفاعة المثبتة]

قوله تعالى: ((وَلا شَفَاعَةٌ)) الشفاعة مشتقة من الشفع الذي هو ضد الوتر، والشفاعة معناها الوساطة، بأن يضم الشافع جاهه إلى جاه المشفوع فيه عند مشفوع عنده من أجل أن يحق حقاً، أو يبطل باطلاً، أو من يجلب مصلحة، أو يدفع مفسدة، فهذه هي الشفاعة، والقرآن الكريم هاهنا ينفيها.

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: والشفاعة المنفية هاهنا هي الشفاعة التي لا يسع من بذلت عنده ردها.

فمثلاً إذا أراد الأستاذ أن يعاقب الطالب، أو يفصله، أو يطرده، أو يحرمه من الامتحان وغير ذلك، فجاء أبو الطالب يشفع، فللأستاذ أن يقبل وأن يرد، لكن لو أن وزير التعليم قال لذلك الأستاذ: أنا أشفع في هذا الطالب، فهل يسعه ردها؟ في الغالب لا، فهذه هي الشفاعة المنفية، ولله المثل الأعلى، فلا يستطيع أحد أن يشفع عند الله شفاعة لا ترد، بل الله عز وجل يقبل شفاعة من يحب أن يقبل شفاعته ويرد من لم يقبل شفاعته، وهذا هو معنى (لا شفاعة)، كما قال الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه:١٠٩]، وقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨]، ولذلك قال العلامة ابن جزي المالكي رحمه الله: حيثما كانت الشفاعة منفية في القرآن فهو عند الحديث عن أهوال القيامة، وحيثما كانت الشفاعة مقترنة بإذنه جل جلاله فهو من أجل الشفاعة التي كان يعتقدها الكافرون، وفي آية أخرى قال الله عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨].

لكن الشفاعة ثابتة في الأحاديث المتواترة أن الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (سل تعط، واشفع تشفع)، فيشفع النبيون، ويشفع الصديقون، ويشفع الشهداء، ويشفع العلماء، ويشفع الأبناء في الآباء والآباء في الأبناء، وهناك شفاعات خاصة، وشفاعات عامة، وهذا كله مما يجمع به بين نصوص الشرع بحيث لا تتعارض.