قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ}[الماعون:٦] أي: يراءون الناس بأعمالهم، فهم يفعلون الطاعة لتحصل لهم المنزلة في قلوب الخلق، فلا يصلون لأجل الله، ولا يصومون ولا يتصدقون إلا من أجل أن يقال عنهم كذا وكذا، ويلبسون ثياباً خشنة إظهاراً للزهد في الدنيا، كما يفعل الآن بعض الناس فإنهم يلبسون المرقع، أو يلبسون ثياباً خضراء مكفوفة بكفة حمراء يخالفون ما عليه الناس، من أجل أن يظهروا أنهم من الزهاد الصالحين، فهذا هو الرياء.
والرياء قد يكون بالأقوال، وقد يكون بالأفعال، كإظهار الصلاة أو الصدقة، قال الإمام القرطبي رحمه الله: ولا يكون الرجل مرائياً إذا أظهر العمل الصالح الذي هو فرض؛ لأن الفرض تلحق تاركه المذمة والإثم ويظن به السوء، فإذا دفع التهمة عنه بإظهار الفرض فلا حرج.
يعني رحمه الله تعالى: أن الصلاة مع الجماعة ليس فيها رياء، فلا يتخفى المصلي ولا يتلثم إذا صلى مع الجماعة وإن رآه الناس، وكذلك الزكاة المفروضة، فإذا أخرجها علانية فلا حرج في ذلك، أما ما كان تطوعاً من صلاة أو صدقة أو صيام أو ما أشبه ذلك، فالأفضل أن يكون ذلك سراً بينه وبين الله عز وجل، كما قال لقمان لابنه: يا بني! ما كلفت إظهاره من العمل فلا تدخل فيه إلا بإخلاص، وما كلفت إخفاءه من العمل فأحب ألا يطلع عليه إلا الله.
ولو أن إنساناً أظهر عمله الصالح ونيته أن يقتدي به غيره فهو على خير، ومأجور إن شاء الله، وكذلك لو أن الناس أثنوا عليه دون سعي منه وقصد وطلب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(تلك عاجل بشرى المؤمن).
والرياء ما يكاد يسلم منه أحد، ومن خطورته أنه محبط للعمل، والنبي صلى الله عليه وسلم سماه الشرك الخفي، وأخبر (أن الشرك أخفى من دبيب النمل)، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأن المرائي لا يقبل عمله، قال الله عز وجل في الحديث القدسي:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك، فيه معي غيري تركته وشركه).
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم ومنفق وشهيد، والسبب أنهم كانوا مرائين، فالعالم تعلم وعلم ليقال عنه: عالم، والمنفق أنفق ليقال عنه: جواد، والشهيد قاتل حتى قتل من أجل أن يقال عنه: جريء وشجاع، وقد قيل ذلك في الدنيا فيسحب بهم إلى النار.
ومن وفق إلى عمل صالح فليكتم ولا يتحدث به، فلا يقول: تصدقت أو اعتمرت ويكرر هذا بمناسبة أو بغير مناسبة، كأنه يمن على الله عز وجل، قال الله سبحانه:{وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}[النساء:٣٨]، فلا تنفعه نفقته، وهذا يدل حقيقة على حمق صاحب العمل وقلة عقله، كما ذكر عن بعض الحمقى أنه كان يصلي في المسجد، فقال بعض الناس الجالسين في المسجد: ما أحسن صلاته! وما أطولها! فالتفت إليهم، وقال لهم: وأنا مع ذلك صائم! أي: وأنا بعد هذا التعب كله صائم، فهذا لا صلى ولا صام، وما له عند الله عز وجل إلا البغض والبعد والمقت، نسأل الله العافية.