أيها الإخوة الكرام! الآن تنشط دعوة قد يسمونها: التقريب بين الأديان، أو التقارب بين الأديان، أو التعايش بين الأديان، أو الوحدة بين الأديان، ونسمع عن منظمة التضامن الإسلامي المسيحي، ومنظمة الإخاء الإسلامي المسيحي، والديانة الإبراهيمية، والملة الإبراهيمية، والتوحيد بين الأديان، والصداقة الإسلامية المسيحية، وغير ذلك من العناوين البراقة الخداعة الخلابة، وهذه الدعوة لديها مسرب تاريخي، وذلك أنها كانت في زمن النبوة الأولى على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث بدأ اليهود والنصارى في محاولة إضلال المسلمين كما حكى ربنا في كتابه الكريم في قوله:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}[البقرة:١٣٥]، وفي قوله:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}[البقرة:١١١]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجود، والعلم مبثوث، فما وجدت رواجاً بل قمعت في مهدها، ثم أيضاً في القرون المزكاة القرون الفاضلة بحديث:(خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، خمدت هذه الدعوة وما سمع لها ذكر، لكن بعد انقراض تلك القرون المفضلة جاءت المرحلة الثانية بدعوى أن الخلاف بين الإسلام والنصرانية واليهودية كالخلاف بين المذاهب الفقهية الأربعة.
وتلقى هذه الدعوة وتلقفها المنحرفون من الملاحدة والغلاة من أمثال الحلاج وابن سبعين والعفيف التلمساني وغيرهم، فنطقوا بالكفر حتى قال قائلهم: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة نعوذ بالله من الضلال، فهؤلاء هم دعاة وحدة الوجود، حتى قالوا: إن فرعون نفسه كان مؤمناً، ثم قتل منهم من قتل، وشرد بهم من خلفهم، ثم جاءت المرحلة الثالثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى لما نشطت الدعوة الماسونية التي تريد تذويب الفوارق بين الأديان تحت شعار الكلمات الثلاث: إخاء، حرية، مساواة.
ثم نشط الدعاة للتقريب بين الأديان، وقد كتب أحد علماء هذه البلاد في هذا، وهو الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد، ونقل عن الشيخ الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله قوله: كان شيخ من شيوخ الأزهر اسمه الشيخ: حسين الطويل، وكان رجلاً عالماً فحلاً، وكانت الأمة لا يزال فيها خير كثير، فجاءه أحد المستشرقين الإيطاليين وقت إفطاره، وكان الشيخ يفطر فولاً وبصلاً، يعني: يأكل فطوراً معتاداً، فدخل عليه المستشرق ثم شرع يكلمه بأن الأديان كلها شيء واحد، وأننا نريد التقريب، والخلاف الذي بيننا لا يضر، والشيخ لا يجيبه ويأكل فوله وبصله، واستمر في أكله إلى أن جف ريق ذلك الخبيث، وكان الشيخ قد فرغ من طعامه، فشرب ماءً ثم قال له: يا خواجة ما رأيك في فول بالبصل؟ يعني: كلامك هذا كله دخل من ههنا وخرج، قال: أنت تريد مني أن أكذب القرآن وقول الله: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ}[البقرة:٢١٧]، والقرآن قال:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠]، والقرآن قد قرر هذه الحقائق أيضاً في قوله تعالى:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}[النساء:٨٩]، وفي قوله:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ}[البقرة:١٠٩]، فكيف أقبل منك هذه الدعوى؟ ثم في ظل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد صارت هذه الدعوى جهرية مكشوفة، فيدعى إلى وحدة الأديان صراحة، حتى صدرت دعوة -ونسأل الله العافية- إلى طباعة التوراة والإنجيل والقرآن في غلاف واحد، فيكون الحق والباطل مع بعض! وكانت هناك فكرة في بعض البلاد بأن يقام ما يسمى بمجمع الأديان أي: معبد وكنيسة ومسجد في مكان واحد، وداخل سور واحد! ومن المضحكات المبكيات: أنها أقيمت صلاة مشتركة دعا إليها البابا بين أتباع الديانات الثلاث في الفاتيكان في إيطاليا، وأمهم فيها البابا! يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: هذه أول مرة في تاريخ الإسلام يأتم المسلمون فيها برجل كافر، البابا دعا إلى هذه الصلاة، ودعا بعد إلى صلاة تسمى صلاة روح القدس.