هذا هو النداء الأخير من نداءات الرحمن لأهل الإيمان في سورة البقرة، وهو النداء الحادي عشر، ففي سورة البقرة أحد عشر نداءً، وآخر نداء في الآية الثانية بعد المائتين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[البقرة:٢٨٢]، وهي أطول آي القرآن على الإطلاق، وقد تناولت شأن هذه المعاملة المالية، من أجل قطع التنازع والاختلاف بين بني الإنسان؛ لأن الإنسان مجبول على النسيان كما في حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أول من جحد آدم عليه السلام، إن الله تعالى أراه ذريته فرأى رجلاً أزهر ساطع اللون فقال: يا رب! من هذا؟ قال: ابنك داود، قال: يا رب! فما عمره، قال: ستون سنة، قال: يا رب! زد في عمره، قال: لا إلا أن تزيده من عمرك، قال: يا رب! وما عمري؟ قال: ألف سنة، قال آدم: قد وهبت له أربعين سنة، -من أجل أن يكمل له المائة- قال: فكتب الله عليه كتاباً وأشهد عليه ملائكته، فلما حضرته الوفاة جاءته الملائكة فقال آدم: إنه قد بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: قد وهبتها لابنك داود، قال: ما وهبت لأحد شيئاً، قال: فأخرج الله تعالى الكتاب، وشهد عليه ملائكته، وأتم الله لداود مائة سنة، ولآدم ألف سنة) أي: أن الله عز وجل رد لآدم الأربعين، وزاد داود أربعين، {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:٣٩]، أي: في أم الكتاب عند الله أن عمر داود مائة، وعمر آدم ألف، لكن هذا التغير في علم البشر، وفي علم آدم، أما علم الله فهو ثابت، وعنده أم الكتاب.
فالآدمي مطبوع على النسيان والجحود، وخاصة فيما يتعلق بالأموال؛ ولذا شرع الله عز وجل للمؤمنين هذا التشريع المحكم؛ من أجل أن تدوم الأخوة بينهم.