وهذه السورة افتتحت بالأمر:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، أي: نزه اسم ربك إذا كان مختصاً به جل جلاله، وقد أجمع أهل العلم على أن هناك اسمين عظيمين لا يطلقان إلا على رب العزة جل جلاله: الله والرحمن، قال سبحانه:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}[الإسراء:١١٠]، ولذلك لا يوصف أحد من خلق الله بواحد من هذين، فلا يقال عن أحد: إنه الله، أو الرحمن، ويمكن أن يقال: الرحيم، كما قال الله عز وجل:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:٤٣]، أو:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨] في حق نبينا صلى الله عليه وسلم.
فنزه اسم الله عز وجل عن أن تطلقه على غيره إذا كان مختصاً به، نزه اسم الله عز وجل أن تؤله غيره، نزه اسم الله عز وجل من أن تعتقد أن غيره يتصف به على سبيل الكمال، بأن تقول: فلان رازقي، أو أنا توكلت على فلان.
فهذا كله ممنوع يخالف التنزيه الوارد، ونزه اسم الله عز وجل من أن يطرح على الأرض، أو يلقى في المزابل.
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، أي: الأعلى مكاناً جل جلاله، فهو سبحانه مستو على عرشه، بائن من خلقه، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، تعرج الملائكة إليه، ويتنزل الأمر من عنده سبحانه وتعالى، فهو سبحانه الأعلى مكاناً، والأعلى مكانة:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[الأنعام:١٨]، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[الشورى:٤]، {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[الحج:٦٢]، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}[الليل:١٩ - ٢٠] فهو سبحانه أعلى ذاتاً ومكانة.