سبب نزول قوله تعالى:(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أسباب نزول الآية (٢٦)، (٢٧) قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا}[البقرة:٢٦]] أي: مثل بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا، أي: فما دونها، والعرب تستعمل كلمة الفوق بمعنى الدون، كما تستعمل كلمة وراء بمعنى أمام كما في قوله سبحانه:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ}[الكهف:٧٩]، يعني: قدامهم، أقول لك: فلان فقير؟ تقول لي: أو فوق ذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخرج ابن جرير عن السدي بأسانيده: لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقِين أو للمنافقَين، الذي هو المثل الناري والمثل المائي، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا}[البقرة:٢٦] إلى قوله: {هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة:٢٧].
عن ابن عباس: إن الله ذكر آلهة المشركين فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا}[الحج:٧٣]] يعني: هذه الأصنام التي تعبدونها أيها الكفار من دون الله لا تستطيع أن تخلق أحقر المخلوقات وهي الذباب.
ولو أن الذباب خطف منهم شيئاً من الذي كانوا يضعونه عند الأصنام من المأكولات، كما في قول الله عز وجل:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}[الأنعام:١٣٦]! فإن هذه الأصنام لا تستطيع أن تسترد ما أخذه الذباب، قال تعالى:{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:٧٣]، فالأصنام طالب، والذباب مطلوب، أو على العكس:((ضَعُفَ الطَّالِبُ))، الطالب المشركون، والمطلوب أصنامهم، وفي الآية الأخرى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ}[العنكبوت:٤١]، مرة الذباب، ومرة العنكبوت، فقال الكفار: ما شأن هذا الذي ينزل على محمد؟! أيذكر الله الذباب والعنكبوت؟! الله أعلى وأجل، هذا الكلام لا يشبه كلام رب العالمين، ربنا عظيم فلا يتكلم عن الذباب والعنكبوت، فأنزل الله هذه الآية:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة:٢٦].