قوله تعالى:{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} قال أكثر المفسرين: هذا من المجاز، والمعنى فهو في عيشة مرضي عنها، فهو راض عن عيشته هذه، وكيف لا يرضى بها وفيها سرر مرفوعة تتواضع له، فلا يحتاج معها إلى سلم، بل هي تتواضع له، كذلك تكون الأشجار عالية، فإذا اشتهى من قطوفها شيئاً تدلت إليه ولا يحتاج إلى أن يصعد فيتعرض لجرح أو لأذى، كذلك الأنهار تمشي معه حيث مشى، قال الله عز وجل:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}[الإنسان:٦] يعني: المؤمن هو الذي يفجر الأنهار، وإذا اشتهى طيراً من طيور الجنة خرَّ مشوياً بين يديه.
وقال بعضهم: بل العيشة راضية حقيقة لا مجازاً، ودليل ذلك أن كل شيء في هذه العيشة راض عن المؤمن الساكن فيها، فالملائكة يدخلون عليهم من كل باب يقولون: سلام عليكم بما صبرتم، والحور العين راضيات عن المؤمن، قال الله عز وجل:{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}[الرحمن:٥٦]، (قاصرات) أي: حابسات أعينهن عن غير أزواجهن، وفي آية أخرى:{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن:٧٢]، محبوسات في الخيام، فهي حابسة ومحبوسة، ولا تحبس طرفها إلا إذا كانت راضية عن زوجها في الجنة، ولذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:(إن الرجل من أهل الجنة يذهب إلى سوق الشمال يوم الجمعة فتحثو عليهم ريح الجنة في وجوههم وفي ثيابهم، فيرجع الواحد إلى زوجته فتقول له: والله لقد ازددت بعدنا حسناً وجمالاً، فيقول لها: وأنت والله لقد ازددت حسناً وجمالاً) فهذا يعبر عن رضاهن بهم، ورضاهم بهن، ولا يتأفف بعضهم من بعض، فليس في الجنة تأفف ولا غيره، قال عز وجل:{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا}[الواقعة:٢٥ - ٢٦]، رضاً تام.