للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى (لإيلاف قريش)]

يقول الله عز وجل: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش:١]، يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: هذا افتتاح مبدع، وهو افتتاح بالجار والمجرور المقدم، وقد فصل بينه وبين متعلقه بخمس كلمات مما زاد الكلام تشويقاً، والإيلاف مصدر ألفه يألفه إلافاً وإيلافاً إذا اعتاده وزالت النفرة منه والغرابة عنه.

والجار والمجرور -كما قال بعض المفسرين- متعلق بقول الله عز وجل: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:٥]، واستدلوا على ذلك بأنه ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ في ركعة بسورة الفيل وسورة قريش ولم يفصل بينهما.

ومعنى الكلام أنَّ الله عز وجل أرسل على جيش الأحباش طيراً أبابيل أهلكتهم ودمرتهم، من أجل أن يألف القرشيون هاتين الرحلتين ويأمنوا من كل عادية ومن كل ضرر.

وقال بعض المفسرين: الجار والمجرور متعلق بقوله سبحانه: {فَلْيَعْبُدُوا} [قريش:٣] أي عليهم أن يعبدوا رب هذا البيت الذي أكرمهم، وأطعمهم، وأمنهم، وصرف عنهم كيد الأعادي؛ من أجل أن تبقى هذه النعمة، ويحفظ الله لهم ذلك الأمن، ويصرف عنهم شر الأشرار.

وقال البعض الآخر: بل المتعلق محذوف، وتقديره: اعجبوا لإيلاف قريش، اعجبوا لصنع الله لهم وما أسبغ عليهم من نعمه ظاهرة وباطنة، ثم بعد ذلك هم ينصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان والأصنام! وقريش: علم على القبيلة المعروفة من بني النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس، وهؤلاء هم القوم الذين كانوا يسمون أهل الله والحرم.

وسميت قريشاً من التقرش وهو التجمع؛ لأنهم كانوا متفرقين فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم.

وقيل سميت قريشاً من التقرش الذي هو التكسب؛ لأنهم يتكسبون ويتجرون، وقيل: سميت قريشاً نسبة إلى دابة من دواب البحر يقال لها: القرش، تأكل ولا تؤكل، والنسبة إليها قرشي وقريشي، كما قال القائل: وكل قريشي عليه مهابة سريع إلى داع الندى والتكرم وهذه القبيلة تشرفت ورفع الله قدرها وأعلى ذكرها بأن أخرج من بينها محمداً صلى الله عليه وسلم، جاء في الحديث الذي رواه الشيخان عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار) عليه الصلاة والسلام.