قال الله عز وجل:((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، هذه هي الحكمة من فرضية الصيام، وهي أن تحصل تقوى الله في القلب، والتقوى ظاهرة في فعل المسلم الذي يصوم لله، فيعاني من الحر الشديد، والجوع الشديد، وهو في بيته وحده، وليس معه أحد من البشر، وعنده ألوان الطعام والشراب، ونفسه تتوق إلى تناول هذه المطعومات والمشروبات، لكن الذي يمنعه هو تقوى الله عز وجل، فتقوى الله تجعله لا يأكل ولا يشرب، لم؟ لأنه يؤمن حقاً بأن الله يراه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) سبحانه وتعالى.
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: والغالب على أحوال الأمم في جاهليتها وبخاصة العرب هو الاستكثار من تناول الملذات، من المآكل والخمور ولهو النساء والدعة، وكل ذلك يوفر القوى الجسمانية والدموية في الأجساد، فتقوى الطبائع الحيوانية التي في الإنسان من القوة الشهوية والقوة الغضبية، وتطغيان على القوة العاقلة، أي: أن الإنسان مركب من روح وجسد، والجسد طبعه كالطبيعة الحيوانية يتوق إلى الطعام والشراب والنكاح، وفيه قوة غضبية تميل إلى التسور على الناس والاعتداء عليهم، وفيه القوة الشهوية، لكن هناك القوة العاقلة، والصيام ينمي هذه القوة العاقلة ويزيدها، ويضعف القوة الشهوية والقوة البهيمية؛ ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد الشباب الذين لا يستطيعون الزواج إلى الصيام فإنه وجاء، فجاءت الشرائع بشرع الصيام.
يقول صاحب المنار رحمه الله: في كل الأديان الصوم مشروع، بل حتى في غير الديانات التي أصلها سماوي، أي: في غير اليهودية والنصرانية، حتى الرومانيون عرفوا الصيام، والفراعنة، والوثنيون ممن يعبدون البقر أو يعبدون بوذا أو غير ذلك عندهم لون من ألوان الصيام، فكأن العقلاء جميعاً متفقون على أن الصيام يهدئ النفس، ويرقق الطبع، وهذا الصيام لا يؤتي أكله إلا إذا التزم فيه الإنسان بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي الحديث:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، وقال:(الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم).