[ذكر بعض الأحاديث الواردة في فضل سورة الإخلاص]
هذه السورة المباركة ورد في فضلها أحاديث كثيرة، وهي أحاديث صحاح ثابتة، منها: الحديث الأول: روى الشيخان البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً أميراً على سرية، فكان إذا صلى بهم يقرأ بـ (قل هو الله أحد)، فلما ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سلوه لمَ يفعل ذلك؟ فلما سألوه قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحبها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فإن الله يحبك كما أحببتها).
الحديث الثاني: روى الإمام البخاري تعليقاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً كان يؤم الأنصار في مسجد قباء، وكان لا يصلي بهم صلاة إلا قرأ سورة وقرأ قبلها (قل هو الله أحد) -يعني: يقرأ (قل هو الله أحد)، ثم يقرأ بعدها بالسورة التي يريد- فقال له أصحابه: يا هذا! إنا نراك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترضى حتى تضم إليها أخرى، فإما أن تكتفي بها، وإما أن تقرأ سواها، فقال: والله! ما أنا بفاعل، فإن شئتم أممتكم، وإن شئتم تركتكم، فكرهوا أن يتركهم؛ لأنهم كانوا يرونه أفضلهم وأعلمهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يمنعك أن تطيع أصحابك فيما أرادوا؟! فقال: يا رسول الله! إني أحبها، فقال له صلى الله عليه وسلم: حبك إياها أدخلك الجنة).
ففي الحديث الأول: أن حبها سبب لمحبة الله.
وفي الحديث الثاني: أن حبها سبب لدخول الجنة.
الحديث الثالث: روى الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قل هو الله أحد)، ولم يزل يرددها حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يتقالها -يعني: أن هذا الرجل استغرب أن صاحبه ما قرأ من القرآن سوى (قل هو الله أحد)، من أول الليل إلى آخره يرددها- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! إنها لتعدل ثلث القرآن).
الحديث الرابع: روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احشدوا -يعني: اجتمعوا- فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، قال: فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: (قل هو الله أحد) ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سأقرأ عليكم ثلث القرآن؛ إني لأرى هذا خبراً جاءه من السماء- يعني: ظنوا أنه سيخرج ويواصل- ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قلت: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن).
أيها الأخوة الكرام! (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، وللعلماء في ذلك تأويلات ثلاثة: التأويل الأول: أنها تعدل ثلث القرآن في حق من كان لا يحسن غيرها، كما هو حال بعض العجائز، وبعض الشيوخ الكبار.
التأويل الثاني: أنها تعدل ثلث القرآن، لو أن إنساناً قرأ ثلث القرآن ليس فيه (قل هو الله أحد).
التأويل الثالث: أنها تعدل ثلث القرآن باعتبار أجناس المعاني، فإن القرآن فيه ثلاثة معانٍ: التوحيد، والأحكام، والقصص والأخبار.
ولما كانت (قل هو الله أحد) مشتملة على التوحيد: توحيد الله عز وجل في أسمائه وصفاته، ونفي الشبيه والمثيل عنه جل جلاله، كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن.
قال الإمام ابن رشد رحمه الله في كتابه (البيان والتحصيل): وأجمع العلماء على أن من قرأ (قل هو الله أحد) لا يساوي أجره أجر من أحيا ليله بالقرآن كله.
يعني: فلا يظن إنسان أنه لو قرأ (قل هو الله أحد) ثلاثاً أن ثوابه كثواب من قرأ القرآن كله.
الحديث الخامس -وفيه بشارة عظيمة-: روى الإمام أحمد من حديث معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ (قل هو الله أحد) عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! إذاً نكثر قصورنا، قال: الله أكثر وأطيب).
وجاءت رواية أخرى رواها الإمام مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ (قل هو الله أحد) عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة، فقال له عمر بن الخطاب: إذاً تكثر قصورنا يا رسول الله! قال: الله أوسع وأطيب)، قال ابن كثير: وهذا مرسل جيد.
فالموفق من عباد الله يكثر من قراءة هذه السورة ولا يبالي؛ لأنها صفة الرحمن.
الحديث السادس: في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأوي إلى فراشه ليلاً حتى ينفث في يديه بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده).
الحديث السابع: روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني قال: (لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده فقلت يا رسول الله! بمَ نجاة المؤمن؟ قال: يا عقبة! أخرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، قال: ثم لقيني مرة أخرى، فابتدأني فأخذ بيدي، فقال: يا عقبة بن عامر! ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم؟ قال: قلت: بلى، جعلني الله فداك، قال: فأقرأني (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم قال: يا عقبة! لا تنساهن ولا تبيت ليلة حتى تقرأهن، قال: فما نسيتهن وما بت ليلة قط حتى أقرأهن، قال عقبة: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بفواضل الأعمال، فقال: يا عقبة! صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك).
هذه جملة أحاديث صحاح في فضل هذه السورة المباركة، والموفق من عباد الله من أكثر من قراءة هذه السورة، فمن أراد أن تكثر قصوره في الجنة، ومن أراد أن يحبه الرحمن، ومن أراد أن يدخل الجنة، ومن أراد أن يعصمه الله من الشيطان، ومن أراد أن يزداد إيماناً وهدىً؛ فليكثر من قراءة هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن.