فرائض الغسل خمسة: أولها: النية، وفي الوضوء ذكرنا أن أول فرض النية، وفي الغسل أول فرض النية، وسيأتي في التيمم أن أول فرض هو النية، وفي الصلاة سيأتي أن أول فرض هو النية، وفي الصيام أول فرض هو النية، وفي الزكاة أول فرض هو النية، وهكذا في الحج، فكل عمل لابد فيه من نية، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات)، فالغسل لابد فيه من النية، والنية محلها القلب، فلا يصح أن تدخل الحمام وتقول: نويت أن أغتسل غسل الجمعة مثلاً.
الفرض الثاني: تعميم جميع الجسم، كما قال الله عز وجل:{حَتَّى تَغْتَسِلُوا}[النساء:٤٣]، والاغتسال هو غسل جميع الجسد، فلابد أن الماء يصل إلى كل جزء من أجزاء بدنك الظاهرة، ولذلك جاء:(أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدخل أصابعه في شئون رأسه حتى يروي بشرته) لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحلق إلا في نسك في حج أو عمرة.
الفرض الثالث: الدلك؛ لأنه لا يقال: اغتسل إلا لمن دلك نفسه، أما إنسان وقف تحت الدش فقط ولم يدلك فهذا يقال: أفاض على جسده الماء، ولا يقال: اغتسل، والعرب تفرق بين قولها: غسلت الثوب وقولها: أفضت عليه الماء، يعني: لو أني أدخلت الثوب تحت الماء فلا يقال: إني غسلته.
والدلك هو: إمرار اليد على العضو إمراراً متوسطاً، هذا هو الدلك.
والمكان الذي لا تصل إليه اليد لا شيء فيه؛ ولو أن إنساناً يستعمل بدل يده خرقة ونحوها أو ما يسمى الآن بالليف فإنه يجزي، وجعل الدلك من فرائض الغسل هو مذهب المالكية، وأما الحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم رحمة الله على الجميع فلا يجعلون الدلك من فرائض الغسل.
الفرض الرابع: تخليل الشعر خفيفاً كان أو كثيفاً؛ لأن أمنا رضي الله عنها قالت:(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بهما أصول شعره)، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان دائماً يحلق شعره، فلما سئل قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل شعرة جنابة، فمن ترك موضع شعرة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا)، فمن ثم عاديت شعري، يعني صار شعري هو عدوي، فكان يحلق دائماً، كلما نبت شعره حلق، وهذا كان فيما مضى؛ لأن القضية كان فيها غرف ماء وكان فيها مشقة، أما الآن بفضل الله تفتح الدش فيصب عليك الماء صباً، وأنت تشتغل بالدلك بكلتا يديك، فلو كان شعرك كصوف خروف فلن يضر؛ لأنك تستطيع أن تخلله بكل سهولة.
الفرض الخامس: الموالاة، وهي: الإتيان بأفعال الغسل في زمن واحد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغتسل إلا غسلاً متوالياً، ولم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل فرجه ثم خرج ثم جاء فتوضأ ثم أكل ثم رجع فخلل شعره ثم ذهب ثم جاء، وإنما أفعال الغسل كلها تقع في وقت واحد متوالية.