[صلاة بعض السلف خلف الحجاج بن يوسف]
ليس من شرط الإمام أن يكون عدلاً، فلقد تواتر عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يصلون خلف أئمة بني أمية وحالهم كما تعلمون.
ومن ذلك: أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الذي كان يقول للناس: والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرج خارج من الباب الآخر ضربت عنقه.
وخرج إلى صلاة الجمعة فسمع ضجة فقال: ما هذا؟ قالوا له: أهل السجن يشتكون من الحر.
فقال: قولوا لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون.
أي: جعل نفسه كرب العالمين! فهذا الرجل أخباره معروفة.
والحسن البصري رحمه الله -على ورعه- لما سمع بموت الحجاج، خرَّ لله ساجداً وخطب في الناس فقال: اللهم إنك أمت الحجاج فاقطع عنا سنته، فإنه جاءنا أخيفشاً أعيشاً يمد بيد قصيرة البنان، والله ما غبرها في سبيل الله، يصعد على المنبر فيخطب حتى تفوته الصلاة وتحته مائة ألف أو يزيدون، وما يقدر رجل منهم أن يقول له: الصلاة أيها الأمير، فاحمدوا الله على العافية.
هيهات هيهات حال دون ذلك السيف والسوط.
وكان من هؤلاء الذين يحضرون خطبة الحجاج أنس بن مالك، فكان يصلي رضي الله عنه الفريضة جالساً، ويومئ في صلاته، خوفاً على خروج وقت الصلاة، فإذا نزل الحجاج ليصلي بالناس كان يصلي معه، ويعتبرها نافلة، أما الفريضة فقد أوقعها في وقتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون أمراء يميتون الصلاة ميتة الأبدان ويصلونها لغير وقتها -كـ الحجاج بن يوسف - قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة) فهذا دليل على جواز الصلاة خلف الفاسق؛ لأن الذي يميت الصلاة ويصليها لغير وقتها فاسقاً، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن نصلي خلفه نافلة، ولا فرق بين النافلة والفريضة.
وكذلك أبو سعيد الخدري كان يصلي خلف مروان بن الحكم والحديث معروف في صحيح مسلم، كان مروان أميراً على المدينة وأمر بمنبر الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرج يوم العيد، فطلع مروان المنبر، فأمسكه أبو سعيد بيده وقال له: الصلاة الصلاة، يعني: صلاة العيد أولاً ثم الخطبة، قال له: لو صلينا ما جلس لنا أحد، أي أنهم سينصرفون عنه لأنهم كارهين له، فقال له أبو سعيد: السنة، فقال له: يا أبا سعيد قد مضى ما تعرف، فقال أبو سعيد: والله للذي أعرف خير من الذي لا أعرف.
وأبو سعيد قام يصلي خلف هذا الرجل، والعمدة في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوجب الجهاد مع كل أمير براً كان أو فاجراً، وأوجب الصلاة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر.
الخلاصة: لا خلاف بين أهل العلم أن الصلاة خلف الفاسق مكروهة، إنما النزاع في الصحة، والأصل أن كل من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره، والإجماع أن الصلاة خلف الفاسق مكروهة، والصحيح إن شاء الله أنها صحيحة؛ لأن هذا الفاسق استوفى الشروط والأركان، فصلاته لنفسه صحيحة فكذلك صلاته لغيره صحيحة.
أما إذا كان الإمام يدخن أو يحلق لحيته أو يخففها، فلو أمكن أن يزاح من غير فتنة فهو المطلوب، أما إذا لم تكن إزاحته إلا بفتنة، فيختلف الناس في المسجد وتأتي الشرطة كما حصل في بعض المساجد فلا يزاح، فيصلى خلف الفاسق وحسابه على الله.