للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم]

يقول الأستاذ سيد قطب رحمة الله عليه في الظلال: إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم تحمل ابتداءً معنى الهزيمة الداخلية، والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشأت الأمة المسلمة، كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعداً في طريق النماء والارتقاء، وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس وهي لا تشعر به، ولا ترى خطره القريب.

ويجب أن نفرق بين قضيتين: قضية اقتباس مناهج من أهل الكتاب وفق روح الإسلام، وتوجيهه؛ من أجل أن ننتفع بجهود البشر في الارتقاء بحياتنا وخدمة ديننا، فهذا لا بأس به، وقد فعله المسلمون الأولون، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما مصر الأمصار ودون الدواوين وجعل للجند عطاء وغير ذلك من التراتيب الإدارية والنظم إنما اقتبسها من غير المسلمين، لكنها لا تعارض دين الله عز وجل، هذه قضية.

والقضية الثانية: اقتباس مناهج أهل الكتاب في التفسير، والاعتقاد، والنظر إلى الكون والحياة، والنظر إلى الخالق جل جلاله، فهذا هو الممنوع المحذور، وقد وقع في ذلك دعاة القومية العربية، وقامت حربان كونيتان عظيمتان هلك فيهما ملايين من البشر، وهاتان الحربان سببهما: اعتقاد تفوق جنس على جنس، فأصحاب الجنس الآرمي، أو أصحاب الجنس الأنجلو سكسوني، كل منهم يعتقد أنه الأفضل والأرقى والأحسن، وأنه ينبغي أن يقضي على الجنس الآخر، فكانت النتيجة قيام الحروب الطاحنة التي هلك فيها من البشر ما لا يعلمه إلا الله، هذه الفكرة الخاطئة الكاذبة انتقلت إلى بلاد العرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عبر دعاة القومية العربية، وهي حركة سياسية فكرية متعصبة، تقوم على ربط الناس برابطة الدم والجنس واللغة والتاريخ والآمال والآلام كما زعموا، وتنحية رابطة الدين.

إن هذه الدعوة القومية أتى بها مجموعة من النصارى في سوريا ولبنان ومصر، وهم بطرس البستاني وسليم البستاني ومنيف خوري ونصيف اليازجي وخير الله خير الله، وغيرهم، وكلهم من النصارى، إلى أن وصل الأمر إلى ميشل عفلق، الذي أسس حزب البعث الذي قضى على الأخضر واليابس، هذه الدعوة تقوم على جملة من الأفكار الكفرية، وهي أن الدين لله والوطن للجميع، وأن رابطة الجنس هي التي توحد، وأن الدين لا يوحد، ثم تناولوا شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفه عبقرياً عربياً، لا بوصفه رسولاً نبياً، وقالوا: إن العبقرية العربية تتجلى في عدة صور فتارة في صورة شريعة حامورابي وتارة في صورة الشعر الجاهلي، وتارة في صورة الإسلام، أي: أن الإسلام مرحلة من مراحل القومية العربية، وقالوا بأن محمداً كان كل العرب فليكن كل العرب محمداً، إلى غير ذلك من الكلمات الفارغة، وبلغ الكفر ببعضهم أن يقول: هبوني عيداً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم أي: أنه يريد أن يعلي رابطة الجنس، والدم، ويلغي رابطة الدين.

ولقد كانت النتيجة أن قامت الجامعة العربية، وهي فكرة إنجليزية؛ من أجل القضاء على فكرة الجامعة الإسلامية التي كان ينادي بها بعض العلماء بعد سقوط الخلافة الإسلامية سنة ١٩٢٤م، حيث دعوا إلى قيام جامعة إسلامية تجمع شتات المسلمين عرباً وعجماً، فقامت فكرة الجامعة العربية وحصرتها في الجنس العربي، بصرف النظر عن الدين، سواء كان الإسلام أو غيره، ومنذ أن قامت هذه الجامعة لم ير الناس منها خيراً، ولم تنتصر لقضية واحدة من قضايا المسلمين، وقلصت القضايا وضيقتها، فقضية فلسطين التي هي قضية إسلامية أممية، جعلوها قضية عربية، ثم لم يمض زمان حتى صارت قضية قطرية تخص شعباً معيناً، ثم لم يمض زمان حتى صارت قضية داخلية تخص الشعب الفلسطيني الذي يقيم في داخل فلسطين.

وهذه الدعوة تعارض أصول الإسلام؛ لأن الإسلام لا يعتد برابطة الجنس أو غيرها، إنما يعتد برابطة الدين، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:٥٢]، إلى غير ذلك من النصوص التي يعلمها كل مسلم.

يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:١٠٠]، هذه الآية ينبغي أن تكون أمام المسلمين في كل موقف.