[سبب نزول قول الله:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)]
الآية الخامسة والتسعون بعد المائة: قول الله عز وجل: ((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)).
ماذا يفهم الناس من هذه الآية؟ للأسف الشديد يستدل بها بعض الناس على تحريم العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في فلسطين أو في غيرها من بلاد الله، فيقولون: لا يجوز؛ لأن الله تعالى قال:((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))، وهذا الاستدلال ليس صحيحاً، ويتضح ذلك من سبب نزول الآية.
روى البخاري عن حذيفة رضي الله عنه قال: نزلت في النفقة، كيف هذا؟ يعني: أن الأنصار عليهم من الله الرضوان كانوا أهل كرم، وهم الذين قال الله فيهم:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:٩]، فأصابتهم سنة، يعني: أمسكت السماء في عام من الأعوام، فكأن الأنصار عليهم من الله الرضوان أمسكوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية يبين أن التهلكة في الإمساك، وهذه الرواية أخرجها البخاري.
وللآية سبب آخر؛ فقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وغيرهم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار.
لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، قال بعضنا لبعض سراً: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام؛ فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل فيما قلنا:{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥]، فكانت التهلكة في الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو، يعني: أن الأنصار رضي الله عنهم جاهدوا في الله حق جهاده، فلما فتح الله مكة، وأعز الله الإسلام، وكثر أنصاره في أنحاء الجزيرة، قال الأنصار: نحن قد أهملنا مزارعنا، وضيعنا أموالنا، وشغلنا بالجهاد سنين عدداً، والحمد لله، فها قد تحققت الغاية، وارتفعت الراية، وكثر أنصار الإسلام؛ فهلم نرجع فنصلح أموالنا، ونثمر زروعنا، وننمي مواشينا، ويقوم بالجهاد غيرنا؛ فأنزل الله عز وجل:((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)) فكانت التهلكة في الإقامة وترك الجهاد.
فلا علاقة بين الآية وبين ما يقوله المانعون من العمليات الاستشهادية.