للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وضع الله لوزر نبيه وكلام العلماء فيه]

قال الله: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:٢] وضعنا: حططنا وأزلنا.

هذه الآية كقول الله عز وجل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح:١ - ٢].

و

السؤال

ما هو الوزر الذي وضع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال بعض أهل التفسير: هو ما عاتبه عليه ربه جل جلاله في القرآن من الأمور الراجعة للاجتهاد، كقوله سبحانه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:١]، {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة:٤٣]، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:٦٧].

وقال بعضهم: بل المراد ما كان من أمر الجاهلية؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على مذهب قومه، ولعله قد عبد صنماً أو وثناً.

وقال بعضهم: هي ذنوب أمته، ونسبت إليه؛ لأنه كان مشغولاً بها صلوات الله وسلامه عليه.

وقال الحسين بن الفضيل رحمه الله: بل المراد الخطأ والنسيان؛ لأن الخطأ والنسيان في حق الأنبياء ليس كما هو في حق غيرهم، وكلنا يقرأ في القرآن قول ربنا جل جلاله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:١١٥] وقد عدها ربنا معصية {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:١٢١].

{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:٢].

وهاهنا بحث قال أهل العلم فيه: ينبغي الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة كان معصوماً من الذنوب صغيرها وكبيرها، وهذا نص القرآن في قول ربنا سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١]، والتأسي لا يتحقق لو كان يذنب، فهو صلى الله عليه وسلم بعد البعثة لا يذنب ولا يتعمد كبيرة ولا صغيرة، فهو معصوم من الذنوب.

وأما قبل البعثة فهو كذلك صلوات ربي وسلامه عليه لم يأت كبيرة قط؛ لأنه قد هيئ منذ صغره للنبوة، ولو كانت عهدت عليه كبيرة لاحتج بها مخالفوه وشانئوه بها، كأمثال أبي جهل والوليد بن المغيرة وعقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة ومن كان مثلهم من صناديد الكفر، لقالوا: يا محمد! أنت فعلت كذا أو أنت قلت كذا، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عهدت عنه فاحشة ولا كذبة ولا غدراً ولا خيانة صلوات ربي وسلامه عليه.

وأما بالنسبة للصغائر قبل البعثة فهي محل احتمال، فامتن الله عز وجل عليه بهذه المنة.

{الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:٣] أي: أنقض حتى سمع لظهرك نقيض صوت العظام والمفاصل، وكأن هذا الأمر كان ثقيلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل بشره.