ثم خامس هذه الحقائق والعبر التي ينبغي أن يذكر الناس بها في هذه الأحداث: أن الأيام دول، وأن الدهر يتغير، وأن صراع الحق مع الباطل جولات وليست جولة واحدة، فيأتي أهل الباطل فيقذفون أهل الحق بطائراتهم، ويسلطون عليهم حممهم ونيرانهم، ثم لا ينتهي الأمر عند ذلك، والقرآن الكريم يذكرنا بذلك القانون الإلهي، يقول الله عز وجل:{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:١٤٠] أي: بين نصر وهزيمة، تقدم وتقهقر، وقال تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[الروم:٩]، وهذا السلاح -أعني: سلاح التذكير بعاقبة الأمم المتغطرسة المتجبرة- هو السلاح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيف به أعداء الله، فعندما جاءه عتبة بن ربيعة وقال له:(يا محمد! ما رأيت رجلاً أشأم على قومه منك؛ لقد سفهت أحلامنا، وفرقت جماعتنا، وعبت آلهتنا، فانظر ما تريد؟ إن كنت تريد مالاً جمعنا لك حتى تصير أغنانا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رأي من الجن التمسنا لك الطب، وإن كنت تريد نساء فانظر أجمل نساء قريش نزوجك عشراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو قد فرغت يا عم؟! قال: نعم، فاردد عليَّ قولي إن استطعت، قال له فاسمع: بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[فصلت:١ - ٤] إلى أن بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}[فصلت:١٣]، فألقى الله الرعب في قلب الكافر، فجاء فوضع كفه على فم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا محمد! ناشدتك الله والرحم أن تكف عنا).
فمطلوب منا أن نذكر المسلمين اليائسين بأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون، ونذكرهم بأن أمماً قد ملكت وسادت ثم بادت، وعلت واستكبرت في الأرض ثم بدل الله عز وجل الحال غير الحال، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص:٥ - ٦].