هناك أناس عهد عنهم الشح والبخل وضرب بهم المثل، حتى إن الجاحظ ألف كتاباً سماه (البخلاء) وذكر فيه قصصاً هي أغرب من الخيال.
فذكر عن واحد اسمه محمد بن يحيى بن خالد بن برمك أنه كان بخيلاً بخلاً عجيباً، وأخذ نسيبه أخو زوجته يسأل عنه، قالوا له: كيف مائدة محمد بن يحيى؟ قال: طولها فتر في فتر، يعني: شبر في شبر! قيل له: فكيف صحافه؟ قال: كحب الخشخش، قيل له: ما يأكل معه أحد؟ قال: نعم، الكرام الكاتبون! قيل له: ما يغشى مائدته أحد؟ قال: والله إلا الذباب، قالوا له: ثوبك مخرق، قال: والله ما أملك إبرة لأخيطها، قالوا: هلا سألته الإبرة؟ قال: والله لو جاءه جبريل وميكائيل ومعهما يعقوب عليه السلام؛ فسألوه إبرة ليخيط بها ثوب يوسف الذي قد من دبر ما أعطاه.
فنعوذ بالله من هذا البخل! هذا مثل لإنسان بلغ القمة في البخل والشح والإمساك والتقتير، والله عز وجل يقول:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[النساء:٣٦ - ٣٧]، والبخيل فوق بخله يتهم الكريم بالسفه، ويحثه على البخل.