قال تعالى:{وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الماعون:٣] أي: لا يحث غيره على أن يطعم مسكيناً، فالإحسان إلى الفقير لا يتأتى منه ذلك أبداً؛ لأن النفوس البشرية جبلت على أنها لا تبذل إلا بعوض، ولا تكف إلا من خوف، ولا تمتنع من شر إلا وهي تخاف عاقبته، واليتيم والمسكين العوض منهما غير مأمول، والخوف منهما أيضاً مندفع، ولذلك لا ينكر دفع الإساءة عنهما، ولا بذل المعروف لهما إلا من قبل إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر.
ولذلك فإن الله عز وجل أثنى على أهل الإيمان فقال:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}[الإنسان:٨ - ٩]، ثم قالوا:{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان:١٠]، فهم يطعمون اليتيم والمسكين لا لأنهم يرجون جزاء منهما، أو يخافون شراً متوقعاً من قبلهما، وإنما يخافون من ربهم يوماً عبوساً قمطريراً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وقال صلى الله عليه وسلم:(من ضم يتيماً من أبوين مسلمين حتى يستغني عنه وجبت له الجنة) ولما شكا إليه بعض الصحابة قسوة قلبه أمره بأن يمسح على رأس اليتيم، وآيات القرآن الكريم في الوصية باليتيم ووجوب الإحسان إليه ودفع الضرر عنه كثيرة جداً.
وكذلك الإحسان إلى المسكين سبب للوقاية من حر النار، وللاستظلال تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، وسبب لتثقيل الميزان وتكثير الحسنات، ودفع مصارع السوء، ومداواة الجسد وغير ذلك من المنافع العظيمة، والكافر الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر يؤذي المسكين، ولا يحض على طعام المسكين.