[ذكر قصة سحر لبيد بن الأعصم للنبي صلى الله عليه وسلم]
المسألة الرابعة: قول الله عز وجل: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}[الفلق:٤] هذه السورة كما قال أهل التفسير: مدنية، وقد نزلت لما سحر لبيد بن الأعصم اليهودي من يهود بني زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمكث عليه الصلاة والسلام مدة قيل: عشرين يوماً، وقيل: شهراً، وقيل: أربعين، مكث عليه الصلاة والسلام مطبوباً، لا يدري ما وجعه، فنزل عليه ملكان من السماء، جلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما:(ما بال الرجل؟ قال: مطبوب -أي: مسحور- قال: من طبه؟ -والملكان يتحاوران والنبي عليه الصلاة والسلام يسمع- قال: لبيد بن الأعصم من يهود بني زريق في مشط ومشاطة في جف طلعة نخل ذكر في بئر ذروان) يعني: أن هذا الخبيث أخذ شيئاً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشيئاً من أسنان مشطه الذي كان يرجل به شعره، ثم عقد في ذلك عقداً ونفث من طلاسمه، ورقاه، ثم بعد ذلك جعل هذا السحر في لفافة مع جف طلع نخل ذكر، ثم ألقاه في بئر من آبار المدينة، فالملكان كانا يتحاوران بهذا الكلام (فقرأا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل أعوذ برب الفلق)، و (قل أعوذ برب الناس)، ومسحاه بهما، فقام عليه الصلاة والسلام وكأنما نشط من عقال، وقال لـ عائشة: أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيه فيه، نزل عليَّ ملكان) وقص عليها الخبر.
ثم صحب جماعة من أصحابه وذهبوا إلى تلك البئر فنزحوها، فإذا ماؤها كنقاعة الحناء، وإذا طلعها كرءوس الشياطين، فأخرجوا تلك اللفافة، فوجدوا فيها إحدى عشرة عقدة، فطفق صلى الله عليه وسلم يقرأ:(قل أعوذ برب الفلق) فيها خمس آيات، و (قل أعوذ برب الفلق) فيها ست آيات، فمجوعها إحدى عشرة آية، وكان عليه الصلاة والسلام كلما قرأ آية يشعر بوخز في جسده، ثم تنحل عقدة فيشعر براحة، ثم يقرأ التي بعدها، فيشعر بوخز في جسده، ثم تنحل العقدة، فيشعر براحة، وهكذا حتى انحلت العقد جميعاً، فأمر بدفن ذلك السحر.