الثالث من المكروهات: قراءة القرآن في الركوع وفي السجود؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في نفس الحديث الذي سبق:(ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، فقراءة القرآن حال الركوع وحال السجود مكروهة؛ لأن هذا الركن ليس محله القراءة، وإنما محل القراءة القيام.
ولو أن سائلاً قال: أنا أريد أن أدعو بشيء من أدعية القرآن فما الحكم؟ فنقول: لا بأس؛ لأنك ما قصدت القراءة، وإنما قصدت الدعاء كما لو قال قائل في دعائه:{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[آل عمران:١٩٢]، أو قال:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}[إبراهيم:٤١]، أو قال:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[إبراهيم:٤٠]، {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:٤١]، أو قال:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:١٠].
وقد اتفق أهل العلم على أن أفضل الدعاء ما كان في القرآن، ويليه في الرتبة ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام؛ وأقول هذا الكلام لأن رمضان قد اقترب نسأل الله أن يبلغنا إياه، وبعض الأئمة يتكلف في الدعاء، ويأتي بأدعية ما أنزل الله بها من سلطان، مثل: اللهم احفظنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، اللهم إنا نسألك العافية في الجسد، والصلاح في الولد، والأمن في البلد، وبعض الناس يدعو فيقول: اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وأبنائنا وبناتنا، وأعمامنا وعماتنا، وأخوالنا وخالاتنا، وأجدادنا وجداتنا! وخير الدعاء دعاء القرآن، قال تعالى:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:٤١]، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح:٢٨]، ونحو ذلك، أما التكلف في الدعاء فهذا خطأ محض، ولذلك بعض الصالحين لما رأى رجلاً يدعو ويتكلف في الدعاء قال له: يا هذا! أتبالغ على الله؟! لقد رأيت فلاناً في يوم عرفة وما كان يزيد على أن يقول: اللهم اجعلنا مؤمنين، اللهم لا تفضحنا يوم العرض عليك، ونحو هذا، كلام يسير، لكنه يخرج من القلب، فيستجيب الله عز وجل له.
واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه، فلا تبالغوا أيها الفضلاء! وإذا صلى أحدكم بالناس فلا يطول في الدعاء، وحبذا لو اقتصر على المأثور من القرآن وما ثبت عن رسولنا عليه الصلاة والسلام كقوله:(اللهم تقبل توبتنا، واغفر حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، وسدد ألسنتنا، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا)(اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) ونحو ذلك مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وهي أدعية كثيرة.