[سبب نزول قوله:(سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها)]
لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يستقبل بيت المقدس في الصلاة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، إذا أراد الصلاة استقبل الشام، وكان يهود يسخرون ويقولون: ما بال هذا الرجل يخالف ملتنا ويستقبل قبلتنا؟! فأنزل الله عز وجل:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٤٤]، فبدأ اليهود يشككون في القبلة فقالوا للمسلمين: في كل يوم قبلة؟! إن كانت الأولى حقاً فالثانية باطلة، وإن كانت الثانية حقاً فالأولى باطلة، فأنزل الله عز وجل الآيات من الثانية والأربعين بعد المائة إلى الخمسين:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ}[البقرة:١٤٢] أي: ما صرفهم {عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة:١٤٢] جل جلاله، إن شاء وجهنا إلى المشرق وإن شاء وجهنا إلى المغرب، وهو يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وقال سبحانه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءهُم} [البقرة:١٤٦]، يعرفون أمر النسخ، وأنه كان في شريعتهم نسخ، وأن يعقوب كان يحل له الجمع بين الأختين، فيجوز أن يتزوج امرأة وأختها، وأن هذا في شريعة موسى حرام، أليس هذا نسخاً؟ شيء يكون حلالاً في شريعة إسرائيل وحراماً في شريعة موسى عليه السلام.
روى ابن إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله عز وجل:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٤٤] فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا قِبل بيت المقدس؟ فأنزل الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:١٤٣]، وقال السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله: ((سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ)) [البقرة:١٤٢]) الآية.