سبب نزول قوله تعالى (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)
وفي نفس الآية قال الله عز وجل: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة:٢٢٩].
قال ابن عباس: كان الرجل يأكل مال امرأته من نحلته التي نحلها، لا يرى أن عليه جناحاً، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقيل كما في رواية ابن جرير عن عبد الملك بن جريج: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وزوجته حبيبة فقد شكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم.
فدعاه فذكر له ذلك، قال: وتطيب لي بذلك -يا رسول الله- قال: نعم، قال: ففعلت).
ومعنى الكلام: أن الرجل في الجاهلية كان يتزوج المرأة ويعيش معها سنة أو سنتين أو خمساً وبعد ذلك يزهد فيها ولكنه لا يريد أن يطلقها مجاناً، فيبدأ يضيق عليها، ويعبس في وجهها، ويغلظ القول لها، فإذا قالت له: طلقني، قال لها: ردي علي ما دفعت! وهو ما يفعله الظالمون في هذا الزمان، وهذا حرام.
فإن أردت أن تطلق زوجتك فلا يحل لك أن تأخذ مما آتيتها شيئاً، بل الواجب أن تعطيها؛ لأن الله عز وجل قال: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩] متعوهن يعني: عندما تزوجتها اشتريت لها ملابس وذهباً وعطوراً، فعندما تطلقها اشتر لها أيضاً، قال الله عز وجل: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢٤١].
وخاطب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:٢٨].
قال الله عز وجل: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة:٢٢٩] يعني: لو كان النشوز من قبل المرأة وكرهت زوجها، فإذا سئلت: هل الرجل فيه عيب في دينه؟ قالت: لا.
وهل هذا الرجل أخلاقه صعبة؟ فأجابت: لا.
وهل يسيء إليك؟ فإذا قالت: لا.
وهل يقصر في النفقة؟ فإذا قالت: لا.
فإذاً: لم تريدين الطلاق؟ فأجابت: كرهته، لماذا كرهتيه؟ قالت -مثلاً-: كرشه كبير، أو قالت: هو قصير، أو قالت: هو طويل، فهذا كله من صنع الله عز وجل ومن تقديره، ففي هذه الحالة نقول لها: ردي ما دفع لك، كما فعلت حبيبة بنت سهل رضي الله عنها فقد (جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله! زوجي -وهو ثابت بن قيس - ما أعيب عليه خلقاً ولا ديناً ولكن لا يجمعني وإياه سقف واحد -أنا لا أعيش معه-، قال لها: ولم؟ قالت له: نظرت من كوة في الجدار -يعني: من الشباك- وهو مقبل مع جماعة فإذا هو أقصرهم قامة وأسودهم وجهاً!).
فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال لها: لا تقعدي معه، وإنما استدعى زوجها وقال له: (طلقها -أي: طلق المرأة التي لا تريدك- قال: يا رسول الله! أصدقتها حديقة -المهر كان حديقة بستان-، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لزوجته: أتردين عليه الحديقة؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته، فقال عليه الصلاة والسلام: أما الزيادة فلا، فقال لـ ثابت: طلقها تطليقة، وقال للمرأة: ردي عليه الحديقة.
فقال ثابت: وتطيب لي بذلك يا رسول الله؟! -يعني: الحديقة هذه تكون طيبة لي حلالاً؟ - قال صلى الله عليه وسلم: نعم).
فهذا يكون في حالة الكراهية من الزوجة لزوجها، أما إذا كنت أنت الذي كرهتها فاتق الله عز وجل وطلقها ومتعها كما قال الله: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:٤٩]، ولذلك ما زال الصالحون من عباد الله الواحد منهم إذا زهد في صحبة المرأة فإنه يطلقها ثم يزودها بعد انقضاء عدتها بكل ما تحتاج إليه من ثياب ومتاع وأثاث، وبعض الصالحين يخيرها ويقول لها: خذي كل ما تريدينه من البيت من أثاث ومن غيره، ثم يحملها معززة مكرمة إلى بيت أهلها، فلا يشتم ولا يسيء ولا يطلع الناس على عيوبها.