قال تعالى:{وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:٤ - ٥] قال بعض أهل التفسير: هذا تكرار مقصود منه التأكيد، وهذا معروف في كلام العرب، كقول القائل: يا علقمة يا علقمة يا علقمة خير تميم كلها وأكرمه أو قول الآخر: يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع وقول الثالث: تالله إنك قد ملأت مسامعي دراً عليه قد انطوت أحشائي زدني وزدني ثم زدني ولتكن منك الزيادة شافياً للداء فهذا تكرار يراد منه التأكيد.
وقال بعض أهل التفسير: ليس في الآيات تكرار، بل الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل للمشركين: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}[الكافرون:٢] لا في الحال ولا في المستقبل، ومقابله:{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:٣]، لا في الحال ولا في المستقبل، ثم قال:{وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ}[الكافرون:٤]، أي: قبل نزول الوحي علي ما سجدت لأصناكم، ولا تمسحت بأوثانكم، ولا نذرت لآلهتكم، ولا استعملت أزلامكم، ولا تلبست بشيء من أمر جاهليتكم، فقبل نزول الوحي عصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم من ذلك، ومقابلها:{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:٣] أي: فيما مضى ما عبدتم الله أصلاً، وهذه براءة تامة له من الشرك.
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتد بالخليل إبراهيم الذي قال لأبيه وقومه:{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}[الزخرف:٢٦ - ٢٧]، ولما قال لأبيه وقومه: ما تعبدون؟ {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:٧١]، فقال لهم:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:٧٥ - ٧٧].
وكذلك في الآية الأخرى قال الله عنه:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:٤].
وكذلك الفتية الطيبون الذين آمنوا بربهم وزادهم هدىً، يقول أحدهم:{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}[الكهف:١٦]، وإبراهيم قال:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}[مريم:٤٨].