قال الله:{عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}[الغاشية:٣]، وهي صفتان: في الدنيا والآخرة.
روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: هم النصارى.
وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم: هم الرهبان في الصوامع.
فربنا يصف حال هؤلاء الناس في الدنيا وأنهم كانوا في عمل متعب لكن ما النتيجة؟ يقول الحسن البصري رحمه الله: لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلاد الشام جاءه راهب شيخ رث الهيئة، وسخ الثياب، يابس الجلد، فلما رآه عمر رضي الله عنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: هذا المسكين طلب أمراً فأخطأه، ورجى رجاءاً فلم يصبه، ثم تلا هذه الآية:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}[الغاشية:٢ - ٣]، ففي الدنيا كانت تعمل وتجتهد لكن في ضلال وكفر وبدعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يجاء بأناس من أمتي يوم القيامة فيذادون عن الحوض -يمنعون من ورود حوضه عليه الصلاة والسلام- فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم بدلوا وغيروا).
فقد كانوا في الدنيا في تعب في غير ما شرع محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحال في قوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
وقد كان علي بن أبي طالب ينزل هذه الآية على الخوارج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم:(تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وقراءتكم مع قراءتهم) ومع ذلك فهم كلاب النار، مع أنهم يكثرون من الصلاة وقراءة القرآن، لكنهم يكفرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك ليس لهم في الآخرة إلا النار.
ثم إن هذه الوجوه التي كانت في الدنيا عاملة ناصبة تعبت كذلك يوم القيامة -والعياذ بالله- يقفون حفاة عراة في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة، ثم يسحبون في النار على وجوههم، ويعانون صعود الجبال والوهاد والوديان في حر النار، كما قال الله عز وجل:{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}[المدثر:١٧]؛ فيكلف صعود جبل في النار، كلما بلغ قمته هوى إلى قاعه وأسفله، وهذا حاله.