قال أهل العلم: الصبر تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة: فتارة يكون واجباً وتارة مندوباً وتارة مكروهاً وتارة حراماً وتارة مباحاً، فيكون واجباً في ثلاث حالات.
الأولى: الصبر على فعل الواجبات، وفي اليوم الأول من أيام رمضاًن الغالب على الناس أنهم يعانون فيه ما يعانون لكنهم يصبرون، وهذا صبر واجب، لا مفر منه؛ لأن الصيام يحتاج إلى صبر، والحج يحتاج إلى صبر، وإخراج الزكاة الواجبة يحتاج إلى صبر، فتحمل النفس على ما تكره، صبر على فعل الواجبات.
الحالة الثانية: الصبر على ترك المحرمات، ولو تأملنا حال نبي الله يوسف عليه السلام، لوجدنا أنه نموذج عال للصبر، فإنه لما دعته امرأة العزيز {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}[يوسف:٢٣] صبر عليه الصلاة والسلام، وقال:{مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[يوسف:٢٣]، فصبر عن فعل المعاصي.
الحالة الثالثة: الصبر على أقدار الله المؤلمة، مثل المصائب التي تنزل بالإنسان مما لا اختيار له فيها كالمرض الذي يصيب الإنسان وكفقد الولد، ففي مثل هذا يلزمه الصبر.
النوع الثاني: الصبر المندوب أو المستحب، وهو أيضاً على ثلاثة أنواع.
أولاً: الصبر على فعل المستحبات، كالصبر على صلاة التراويح فهي ليست واجبة وإنما هي مستحبة، والصبر عليها مستحب.
ثانياً: الصبر عن فعل المكروهات، فالشيء الذي ليس بحرام ولكنه مكروه يندب لك أن تصبر عنه.
ثالثاً: الصبر عن مقابلة الجاني بمثل فعله، فلو أن إنساناً شتمك فإنه يستحب لك أن تصبر عليه، وكذلك إذا ضربك، أو أساء إليك، وهذا هو الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أوذي ومع ذلك كان صابراً؛ لأن الله أوصاه بذلك فقال:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام:٣٤].
النوع الثالث: الصبر المحرم: ومن أمثلته أن يصبر الإنسان عن الطعام وعن الشراب حتى يموت، وهو ما يسمى الآن بالإضراب، أو يمسك عن لحم الخنزير أو عن الميتة في المخمصة والمجاعة حتى يموت، قال بعض أهل العلم: لو أنه في مجاعة فلم يأكل ما أباح الله له من ميتة أو خنزير فمات دخل النار؛ لأن هذا صبر محرم، ومثله أيضاً أن يصبر المؤمن على اعتداء الكافر حتى يقتله أو ينتهك عرضه، فهذا صبر محرم، بخلاف الصبر في الفتنة بين المسلمين، فإن السنة في ذلك الصبر، فلا تحمل سلاحاً، ولا ترفع سيفاً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)، دعه يبوء بإثمه وإثمك، والله عز وجل أثنى على خير ابني آدم الذي قال لأخيه:{لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة:٢٨].