دلت الشريعة على أن القلم أنواع: القلم الأول: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب ما كان وما سيكون) فهذا هو القلم الأول.
الثاني: القلم الذي تكتب به الملائكة الأقدار في ليلة القدر من كل عام: من حياة وموت ورزق وجدب ومرض وصحة، وغير ذلك كله يكتب.
الثالث: القلم الذي يستعمله الكرام الكاتبون، قال الله عز وجل:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨].
وقال سبحانه:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ}[الانفطار:١٠ - ١١].
الرابع: القلم الذي يستعمله الملك الذي وكل بنا ونحن في أرحام أمهاتنا، بعد أن يكمل أحدنا أربعة شهور، فيرسل الله ملكاً يأمره بأن ينفخ فيه الروح، وأن يكتب أربع كلمات: الرزق، والأجل، والعمل، والشقاوة والسعادة، هذه الكلمات الأربع يكتبها الملك ونحن في بطون أمهاتنا.
الخامس: سائر الأقلام التي نستعملها نحن البشر وتعلمنا بها الكتابة.
يقول الرازي رحمه الله: روي أن سليمان سأل عفريتاً من الجن، قال له: ما الكلام؟ فقال له العفريت: ريح يذهب، قال له: فما قيده؟ قال: الكتابة.
ولذلك يقول الرازي رحمه الله: لا تقل: القلم نائب عن اللسان؛ فإن القلم ينوب عن اللسان واللسان لا ينوب عن القلم.
يعني: أن الإنسان إذا أراد أن يكلم إنساناً آخر، فإنه يكتب له، فالقلم يقوم مقام الكلام، لكن اللسان لا يقوم مقام القلم، فقد يكتب إنسان مالا يستطيع نطقه.
ولما كان القلم بهذه المنزلة أيها الإخوة الكرام يقول الرازي رحمه الله: بركوعه تسجد الأنام، وبحركته يحفظ العلم على مر الليالي والأيام.