للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)]

النداء السادس في الآية الثامنة بعد المائتين من سورة البقرة: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:٢٠٨].

سبب نزول هذه الآية كما قال بعض أهل التفسير: إن جماعة من اليهود الذين أسلموا، وفيهم عبد الله بن سلام، وأسد بن كعب، وثعلبة، (سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يأذن لهم أن يسبتوا)، يعني: يعظموا يوم السبت، وأن يقوموا الليل بالتوراة، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، يأمرهم فيها بشعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها، يعني: يا يهودي! يا من أسلمت! اعلم بأن ديانتك منسوخة، وأن شريعتك قد بطل العمل بها، فوجب عليك أن تجعلها وراء ظهرك، وأن تشتغل بشريعة الإسلام دون سواها.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت، وهو مع تمام إيمانه بتحقق نسخه ورفعه وبطلانه والتعويض عنه بأعياد الإسلام، فـ ابن كثير رحمه الله يقول: عبد الله بن سلام رجل راسخ الإيمان، زكاه الله عز وجل في القرآن، فقال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمَْ} [الأحقاف:١٠]، وقال الله عز وجل: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:٤٣]، قالوا: هو عبد الله بن سلام، رضي الله عنه.

وعلى كل حال فإن الله عز وجل يأمرنا -نحن المسلمين- بأن ندخل في هذا الدين كله، أصولاً وفروعاً، عقيدة وشريعة، آداباً وأحكاماً، أخلاقاً وسلوكاً، لا نأخذ منه ما يوافق أهواءنا وندع ما يخالفه.

وقال بعض أهل التفسير: بل الآية نازلة في أهل الكتاب، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى! آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وادخلوا في دينه، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)، فاليهودي لن تنفعه يهوديته، والنصراني لن تغني عنه نصرانيته، لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].