[حقوق الوالي على الرعية]
إن لولي الأمر حقوقاً على الرعية، وهذه الحقوق تتمثل في الآتي: أولاً: السمع والطاعة لهم في العسر واليسر، والمنشط والمكره كما في حديث عبادة رضي الله عنه في الصحيحين: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، فقال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (سيليكم ولاة بعدي، فيليكم البر ببره، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم)، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بطاعة ولاة الأمر في طاعة الله، ولو أمر ولي الأمر بما فيه معصية الله فلا قيمة لأمره؛ لأن قضاء الله أحق وشرط الله أسبق، (ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
ثانياً: عدم منازعتهم فيما ولاهم الله من أمور المسلمين، فنفوس العباد مجبولة على التطلع إلى الجاه إلا من رحم الله، فكثير من الناس يطمعون أن يكونوا وزراء، أو رؤساء، أو قادة، أو ولاة وما أشبه ذلك، لكن المسلم العاقل يعتقد أن هذا الوزير أو هذا الوالي أو هذا الرئيس في بلاء ومصيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وإنها خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أمير يتولى أمر عشرة من الناس إلا جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه، فإما أن يفكه عدله، وإما يوبقه جوره)، فلا ننازعهم، وإنما نعتقد أنهم في بلاء، وقد جرت العادة بأن الوزير إذا استُوْزِر، والرئيس إذا رئس فالناس يهنئونه، ولو أنصفوا لعزوه وقالوا له: أحسن الله عزاءك، وجبر الله كسرك؛ لأنه لو مكث في ولايته أو وزارته يوماً ثم انصرف عنها أو مات فسيحاسبه الله عز وجل على الرعية كلهم.
ثالثاً: الوفاء ببيعتهم وعدم إعانة الخارجين عليهم، قال الإمام القرطبي رحمه الله: لو خرج خارج على إمام معروف بالعدالة وجب على الناس جهاده، فإن كان الإمام فاسقاً والخارجي مظهِراً للعدل فلا ينبغي للناس أن يسارعوا إلى نصرة الخارجي حتى يتبين أمره فيما يظهر من العدل، أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الإمام الأول، وذلك أن كل من طلب هذا الأمر أظهر من نفسه الصلاح.
الحق الرابع لولي الأمر: أن تبذل له النصيحة في رفق ورحمة، فليس الغرض هو التشنيع عليه والتحريض على خلعه، وإنما نبذل له النصيحة في رفق ورحمة، وهذا من حق المسلم على المسلم.
خامساً: عدم متابعتهم في الباطل، وعدم تزيين المنكر لهم، بل لا بد من الإنكار عليهم بالطرق المشروعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله! ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا) رواه الإمام مسلم.
الحق السادس: أداء الصلاة معهم ما داموا مسلمين.
سابعاً: أن هذه الطاعة ليست قاصرة على نوع معين من الحكام ذوي النسب الشريف، بل هي لكل من ولي أمر الأمة مسلماً براً كان أو فاجراً، شريفاً كان أو وضيعاً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)، وفي رواية: (وإن كان عبداً حبشياً مجدوع الأطراف)، هذه هي الحقوق التي تجب.