وأما كون السبب خاصاً واللفظ خاصاً فمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً في المسجد فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله! إني وهبت لك نفسي.
فهذه المرأة الصالحة الطيبة الفاضلة رضي الله عنها كانت تفكر في مستقبلها في الآخرة، فهي تعرف أنها لو تزوجت بالرسول صلى الله عليه وسلم فلن يسكنها في قصر، بل في حجرة من طين، وستمر عليها الأيام لا يوجد فيها سوى تمر وماء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر عليه الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وليس لهم طعام إلا الأسودان: التمر والماء.
فهذه المرأة قالت:(وهبت لك نفسي) من أجل أن تكون من بعد زوجته في الجنة، فهي في الدنيا ستعيش سنين في الشظف، ثم بعد ذلك ستنتقل إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فلما قالت ذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر فيها وصوبه، ثم سكت عليه الصلاة والسلام، يقول الصحابة:(حتى أشفقنا عليها من طول القيام)، فوجد أحد الصحابة فرصة عظيمة، وعرف أن هذه المرأة صالحة ولن تكلفه كثيراً؛ لأن التي تأتي وتهب نفسها لا تريد دنيا، فقال: يا رسول الله! زوجنيها.
فقال عليه الصلاة والسلام:(ابذل لها شيئاً) أي: ادفع لها مهراً، فمشى ثم رجع فقال: يا رسول الله! ما عندي إلا إزاري، فقال:(وما تصنع بإزارك؟! اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد) فذهب ثم جاء فقال: ما وجدت شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام:(هل معك شيء من القرآن؟ فقال: نعم معي كذا وكذا وكذا، حتى عد عشرين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن)، فأنزل الله عز وجل:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب:٥٠].