قال تعالى:{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ}[الهمزة:٨].
أي: مغلقة محكمة، والوصيد هو الباب، كما في قول الله عز وجل:{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}[الكهف:١٨] أي: باب الكهف، فهي مؤصدة عليها أبواب، وعلى الأبواب أقفال، وبعد الأقفال خزنة زيادةً في النكال، قال الله عز وجل:{أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) [الكهف:٢٩] أي: لا سبيل إلى هروب ولا فرار، ووجود الخزنة لأجل الزيادة في تعذيبهم وإرهاقهم.
قال تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:٩].
قال بعض أهل التفسير: العمد على الأبواب، ورجح العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان بأن هذه العمد عليهم أنفسهم؛ زيادةً في النكال، واستدل بقول الله عز وجل:{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}[الفرقان:١٣ - ١٤].
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن الله عز وجل يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار، فيجعلونها في تلك العمد، ثم يطبقونها عليهم فيتشاغل أهل الجنة بنعيمهم والرحمن على عرشه ينساهم) قوله: (ينساهم) يعني: يتركهم كما في قول الله عز وجل: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة:٦٧]، فالنسيان هنا بمعنى الترك، وليس بمعنى الذهول، ثم قال:(فلا والله لا يدخل إليهم رَوْح) روح يعني: هواء.
ثم قال:(ولا يخرج منها غم) أي: لو كان للغم سبيل للخروج لما استطاع أن يخرج من تلك الأعمدة، ثم قال:(ثم ينقطع الكلام والبكاء ولا يبقى إلا الزفير والشهيق) أي: لا يستطيعون أن يتكلموا أو يصرخوا أو يستغيثوا، وحين يصرخون بعد مئات أو ألوف من السنين يقولون:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:١٠٧ - ١٠٨]، فلا يجيبهم بما يريحهم، يصرخون حتى تتقطع الحناجر، ينادون أهل الجنة:{أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف:٥٠]، فلا يسمعون كلاماً يطيب خواطرهم، ولا يخفف عذابهم، نعوذ بالله من تلك الحال، وهذا كله جزاء على مصيبتين: المصيبة الأولى: همز المؤمنين ولمزهم، والمصيبة الثانية: عدم معرفة حق الله في المال، نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.