سبب نزول قوله تعالى:(إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً)
الآية الرابعة والسبعون بعد المائة: قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ}[البقرة:١٧٤].
هذه الآية نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، وكانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل، وكانوا يرجون أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم من غيرهم، خافوا ذهاب مأكلتهم، وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم فغيروها، وقد حكى الله عنهم في القرآن قوله:{إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}[التوبة:٣٤]، وهذه حيلة رجال الدين في كل ملة إذا فسدت القلوب والعياذ بالله، يتخذون من الدين سبباً ووسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، مثلما يفعل الآن زعماء الروافض ممن ينتسبون إلى الإسلام، حيث يفرضون على الناس الخمس في أي شيء يكتسب، ومثلما يفعل رهبان النصارى، فإذا وقع الإنسان في خطيئة فلا بد أن يأتي إلى الراهب ويقول: إني قد فعلت كذا وكذا وكذا، ويطلب منه المغفرة، فيرفع الراهب الصليب دلالة على أنه قد قبلت توبته، وغفرت خطيئته، ويضع بعد ذلك هذا التائب في الصندوق شيئاً معلوماً.
ومثل ذلك ما يفعله بعض علماء المسلمين حين يبدل الفتاوى ويغيرها من أجل أن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً.
فاليهود علموا أنهم لو تابعوا محمد صلى الله عليه وسلم على دينه فإنهم سيصبحون كسائر الناس، وكعامة المسلمين، وستذهب رئاستهم وملكهم، فعمدوا إلى تغيير صفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عندهم في التوراة: أنه رجل ربعة أبيض مشرب بحمرة إلى غير ذلك من صفاته صلوات الله وسلامه عليه، فغيروا هذه الصفات، فقالوا: إنه رجل طويل آدم -أي: أسمر- وسبط الرأس، وقالوا: هذا النبي لا يشبه ذا الصفة الموجودة عندنا، فأنزل الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة:١٧٤].