للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مثال عموم اللفظ وخصوص السبب]

مثال كون اللفظ عاماً والسبب خاصاً أن إحدى النساء جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -واسمها خولة بنت ثعلبة - تشكي زوجها فقالت: يا رسول الله! كان صدري له سقاء، وبطني له وعاء، وحجري له حواء، حتى إذا كبر سني ورق عظمي ظاهر مني، إلى الله أشكو.

فقولها: (كان صدري له سقاء) أي: يسقي أولاده، (وكان بطني له وعاء) أي: حاملة لأولاده، (وكان حجري له حواء) أي يضم أولاده.

وكان من عادة أهل الجاهلية أن الواحد منهم إذا غضب من امرأته يقول لها: أنت علي كظهر أمي.

يعني: أنت حرام علي كحرمة أمي.

فتبقى المسكينة معلقة إلى أن يرضى الزوج فيرجع إليها.

فزوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه كان فيه حدة، فحصل بينهما كلام فقال لها: أنت علي كظهر أمي.

فجاءت تشكو، ومما قالت في شكواها: وعندي منه أولاد إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا.

وهذه قسمة معروفة فعلاً، فالأم لو أخذت الأبناء فمن أين ستؤكلهم؟ ولو أبقتهم لصاحبها سيتزوج ويأتي لهم بشيطانة تعكر عليهم صفوهم.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ساكتاً والمرأة تلح في السؤال، والسيدة عائشة رضي الله عنها كانت جالسة في ناحية من البيت، وكانت بعد ذلك تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات! إني لأسمع حديثها ويخفى علي بعضه، فسمعها الله من فوق سبع سماوات وأنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١] إلى أن بين الكفارة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:٣]، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:٤]، وهذه مشكلة تحصل اليوم كثيراً، فبعض الرجال ممن لا عقول لهم إذا حصل بين الواحد منهم وبين المرأة خلاف في لقيمات أو في شيء تافه قال لها: أنت حرام علي مثل أمي، وهذا ذنب وإثم؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:٢]، فكيف تصير امرأتك أمك؟! {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب:٤] إلا أن يقصد أنه في الاحترام يعاملها مثل أمه فهذا أمر آخر، أما أن الزوجة تحرم عليك كحرمة أمك فهذا زور، ومن قال ذلك فهو آثم تلزمه الكفارة، وليس له أن يعتبر ذلك أمراً عادياً إذا ذهب غضبه، بل عليه ألا يقربها إلا بعد عتق رقبة، والآن ليس هناك رقاب، فيبقى الصيام، ولكن الواقع أن كثيراً من الناس لا يلتزمون بهذا، فتجد أحدهم يرمي الكلمة ثم يقول: لقد اتفقنا! فهذه الآيات عند كثير من المسلمين حبر على ورق لا يفكر فيها إلا القليل منهم.

فالسبب في هذه القصة خاص برجل معروف اسمه أوس بن الصامت وامرأة معروفة اسمها خولة بنت ثعلبة، لكن اللفظ عام؛ لأن ربنا قال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] ولفظ (الذين) من ألفاظ العموم، لذلك قال العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.