[ما ادخره الله لنبيه في الآخرة أعظم مما أعطاه في الدنيا]
قال الله:{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى}[الضحى:٤] أي: ما أعطاه الله عز وجل في الدنيا من شرح الصدر، ورفع الذكر، وحط الوزر، وظهور أمره، وعلو شأنه، وما ألقاه الله عز وجل له من المحبة في قلوب خلقه، كل هذا لا شيء بجوار ما أعد الله له في الآخرة.
(وللآخرة خير لك من الأولى) قال أهل التفسير: أري رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك أمته من بعده فسر بذلك، فأنزل الله عز وجل هذه الآية:(وللآخرة خير لك من الأولى) فأعطاه الله عز وجل ألف ألف قصر من لؤلؤ في الجنة، ترابه المسك مع ما ينبغي له.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي مسألة وددت أني ما سألته إياها، قلت: يا رب لقد اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليماً، واصطفيت نوحاً على البشر، وجعلت عيسى يحيي الموتى فما أعطيتني؟ قال الله عز وجل له: يا محمد! ألم أجدك يتيماً فآويتك، ووجدتك ضالاً فهديتك، ووجدتك عائلاً فأغنيتك، ألم أشرح لك صدرك، وأضع عنك وزرك، وأرفع لك ذكرك، قلت: بلى يا رب! قال: (وللآخرة خير لك من الأولى)، أعطيتك الكوثر ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، وعدد آنيته بعدد نجوم السماء).
قال ابن كثير رحمه الله: ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد خلق الله في الدنيا، وأعظمهم اطراحاً لها، حتى أنه لما خير صلوات ربي وسلامه عليه بين الخلد في الدنيا وملكها وبين لقاء الله عز وجل اختار ما عند الله.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، ثم استيقظ وقد أثر الحصير في جنبه، فجعلت أمسح عنه، وأقول: يا رسول الله! هلا آذنتنا لنفرش لك على الحصير شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها).
وهذا أيضاً تكرر مع عمر رضي الله عنه لما رأى أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى عمر وقال:(يا رسول! كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت أكرم الخلق على الله تنام على مثل هذا؟ فقال له صلى الله عليه وسلم معلماً ومصححاً: يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: رضيت يا رسول الله! قال: فاحمد الله على ذلك).