لقد شرع الله عز وجل القصاص لأمن المجتمعات، ومن أجل أن يطمئن أولياء الدم إلى أن حقهم محفوظ، وأن لهم أن يفعلوا بالجاني مثلما فعل بقتيلهم، وإذا لم يكن القصاص شريعة سائدة في المجتمع فإن ذلك سيؤدي إلى أن أولياء الدم يضطرون إلى أن يأخذوا ثأرهم بأنفسهم، فتسود الفوضى، وهذا هو الحاصل الآن، فكثير من المشكلات كان يمكن القضاء عليها لو طبق شرع الله كما ينبغي، لكن التسويف والتأجيل والمماطلة توغر الصدور، وتدفع بعض الناس إلى أن يأخذ الحق بيده، مع أن إجماع العلماء منعقد على أن تطبيق الحدود ليس للأفراد، وإنما المخاطب بذلك هم ولاة الأمر، حتى في حد السرقة {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:٣٨]، فلو أنك وجدت لصاً في بيتك فقطعت يده لأصبح الأمر فوضى، فيكون الأمر هنا موجه للحاكم، وكذلك حد الزنا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا}[النور:٢]، الأمر للحاكم، وكذا قوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}[المائدة:٣٣] الأمر للحاكم، فتقصير الحاكم في تطبيق الشريعة الإلهية يؤدي بالناس إلى أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم ويحدثوا في الأرض الفساد.
وقد ختم اللهُ هذه الآية المباركة بالتوعد بالعذاب الأليم للمعتدي ثم قال بعدها:((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ))، قال أهل العلم: هذه الآية من فصيحات القرآن، وقد عجزت العرب عن الإتيان بمثلها، فقد عبروا عن القصاص بقولهم: القتل أنفى للقتل، وبقولهم: القتل أبعد للقتل، لكن هذا الكلام لا يعد شيئاً أمام فصاحة هذه الآية.