[سبب نزول قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر)]
الآية التاسعة عشرة بعد المائتين: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة:٢١٩].
الخمر هو كل ما خامر العقل فغطاه، سواء كانت من الذرة، أو الشعير، أو العنب، أو التمر، أو الحنطة أو غير ذلك مما يستحدثه الناس.
والعلماء رحمهم الله قالوا: الخمر أو المسكر ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب، يعني: الرجل السكران -عافني الله وإياكم- يكون عقله غير موجود لكن حواسه موجودة، بحيث إنه لو وضع يده على النار فإنه يشعر، فالمسكر ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب، قال الشاعر: وإذا شربت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا أفقت فإنني رب الشويهة والبعير يعني: عندما يكون سكران يرى نفسه في قصور وأنه ملك، فإذا أفاق وجد نفسه مع الغنم.
والخورنق والسدير قصران للنعمان بن المنذر في الحيرة.
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء فالمسكر ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب.
والمخدر هو ما أذهب العقل دون الحواس لا مع نشوة وطرب، فالرجل السكران بالخمر تجده في نشوة وطرب أما الذي أخذ المخدر فإنك تجده ساكناً هادئاً تقول له: السلام عليكم، فيقول: هاه.
والمسلمون كانوا يشربون الخمر، فالله عز وجل بحكمته ورحمته ما حرمه عليهم مرة واحدة، وإنما حرمها على أربع مراحل: المرحلة الأولى: قول ربنا سبحانه: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل:٦٧] ما دام أن الناس اتخذوا سكراً ورزقاً حسناً، فمعناه أن السكر ليس رزقاً حسناً.
وقال عمر: اللهم أنزل لنا في الخمر بياناً شافياً، فجاءت المرحلة الثانية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:٢١٩] فقال عمر: اللهم أنزل لنا في الخمر بياناً شافياً.
فجاءت المرحلة الثالثة: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣].
فبعض المسلمين قالوا: لا خير في شيء يشغل عن الصلاة، لكن بعضهم ما زال يشرب الخمر، فجاءت المرحلة الرابعة: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:٩٠].
وقد لعن الله في الخمر عشرة: شاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، وآكل ثمنها، وعاصرها، ومعتصرها، كل من أحاط بالخمر فإنه ملعون، نسأل الله العافية.