[الأفعال الكثيرة]
الأمر الثاني عشر: الأفعال الكثيرة، والمالكية رحمهم الله عندهم حد الكثير أنه إذا نظر إليه الناظر لا يظنه في صلاة.
والشافعية يحدون الكثير بالثلاث حركات في الركن الواحد، فإذا تحرك عندهم الإنسان ثلاثاً تبطل الصلاة، وبعضهم قال: الأفعال الكثيرة هي التي تحتاج إلى اليدين معاً، أما ما كان بيد واحدة فيعد قليلاً.
فمثلاً لو أن إنساناً عبث بلحيته فإنه يحتاج إلى يد واحدة، أما العمامة فتحتاج إلى اليدين كلتيهما، لكن عند المالكية أن الأفعال الكثيرة -كعبث بلحية، وحك جسد، وإصلاح رداء، ونحوه- إذا أكثر الإنسان منها بطلت صلاته، وهذا موجود عند بعض الناس اليوم، فتجده في الصلاة تارة يحك، وتارة يعبث، وتارة ينظف أظافره، وتارة يعبث بجيوبه، وتارة ينظر في الساعة، ولربما لو كانت الكهرباء مقطوعة ثم جاءت فإنه يرفع نظره ليتأكد من المراوح هل اشتغلت أم لا، فهذا تبطل صلاته.
أما الأفعال القليلة فلا تضر، وذلك كإصلاح رداء، ودفع مار، وإشارة بيد، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: الدليل الأول: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت زينب، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها).
الدليل الثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه وهو في الصلاة).
وهذه حركات.
الدليل الثالث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة)، والأسودان: العقرب، والحية، وسميت الحية حية لطول حياتها، وهذه حكمة الله في أن الأشياء المؤذية حياتها طويلة، وأعظم الأشياء إيذاءً إبليس، وهو أطول الخلق عمراً.
الدليل الرابع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لـ عائشة وهو في الصلاة).
وهذه كلها أحاديث صحاح ثابتة.
الدليل الخامس: كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة وأمامه سترة فجاءت جارية لتمر بين يديه، فما زال صلى الله عليه وسلم يتقدم حتى مرت من خلفه، وكذلك جاءت شاة لتمر فتقدم صلى الله عليه وسلم حتى مرت من خلفه، وأيضاً في صلاة الكسوف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فتناول شيئاً ثم وهو في الصلاة تراجع عليه الصلاة والسلام، حتى ركب الناس بعضهم بعضاً، ثم بعد الصلاة سألوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت الجنة والنار في مقامي هذا، فتناولت عنقوداً من عنب الجنة، لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار -وهذا سبب رجوعه عليه الصلاة والسلام- فلم أر كاليوم قط منظراً أفظع، ورأيت أكثر أهلها من النساء).
وبالمناسبة فإن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة.
فالشاهد أن الحركة حصلت من الرسول عليه الصلاة والسلام كما في هذه الأحاديث كلها.
ولما نزل عليه جبريل وأخبره أن في نعليه نجاسة خلعهما وهو في الصلاة، فدل ذلك على أن الفعل القليل في الصلاة لا يضر.
وهذا لا يسلم منه أحد إلا من رحم الله، فالإنسان في الصلاة قد يحتاج إلى حك جسد، أو إصلاح رداء، أو دفع مار، ونحو ذلك، فهذا معفو عنه.
أما إذا كانت الصلاة كلها عبثاً ولعباً فهذه الصلاة باطلة نسأل الله العافية.