الدرس الأول: أن الله عز وجل كاف عبده، فهو لا يسلم أوليائه للأعداء، ولا يخذل الصالحين من عباده، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاط المشركون ببيته إحاطة السوار بالمعصم، وفي يد كل رجل منهم سيف صلت، يريدون أن يضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم هكذا حالهم قد أحاطوا به ووقفوا على بابه، فيخرج ثابت القلب، رابط الجأش، مطمئن النفس، وهو يتلو صدر سورة ياسين، إلى قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}[يس:٩]، والقوم وقوف على بابه، وأبو جهل يتكلم مع إخوانه في الكفر، ويقول لهم: أيعدكم محمد أنكم إذا تابعتموه على دينه دخلتم الجنة، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن، وإن عصيتموه وأبيتم دينه دخلتم النار! والله ما هذا إلا الكذب، فيأخذ رسول الله عليه وسلم حفنة من تراب ويضعها على رأس أبي جهل ومن معه وهم لا يعقلون شيئاً، ويخرج من بينهم صلوات ربي وسلامه عليه تصحبه عناية الله.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان ثم وهو في طريق الهجرة صلوات ربي وسلامه عليه لحق بهم سراقة بن مالك الفارس المغوار، والبطل الضرغام، فدعا عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فساخت قوائم فرسه في الأرض، قال سراقة: فعلمت أنه ممنوع، أي: أنني لن أصل إليه بأذى، ولن أستطيع أن أمد إليه يداً بسوء، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيل عثرته، فدعا صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فنهض فرسه، وبشر سراقة بأنه سيلبس سواري كسرى بن هرمز، وحقق الله عز وجل تلك النبوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فتحت بلاد فارس واستولى المسلمون على أسورة كسرى بن هرمز، جاء سراقة فذكر عمر بن الخطاب بما قاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألبسه عمر سواري كسرى، وقال: الحمد لله الذي كسا سراقة بن مالك -أعرابياً بوالاً على عقبيه من بني جعشم- سواري كسرى بن هرمز، وحمد عمر رضي الله عنه ربه على هذه الآية العظيمة.
فالمؤمن المقيم على طاعة الله العامل بأمر الله يطمئن إلى أن الله ناصره؛ لأنه لا يخلف الميعاد، وقد قال:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:٥١].