قال الله تعالى:{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة:١ - ٣]، القارعة مشتقة من القرع وهو الضرب بشدة، ومنه قول القائل: العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامة ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}[الرعد:٣١]، وتطلق القارعة على المصيبة الشديدة، فالله عز وجل سمى يوم القيامة القارعة؛ لأنها تقرع الناس بأهوالها كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الهول يبدأ من القبر في قوله:(من مات قامت قيامته)، فالذي في القبر يرى ما لا عهد له به، أما المؤمنون فإن الله يثبتهم، قال تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم:٢٧]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا}[الأنبياء:١٠١ - ١٠٢] أي: حسيس النار {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ}[الأنبياء:١٠٢ - ١٠٣]، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
قوله تعالى:((مَا الْقَارِعَةُ)) الاستفهام هنا للتهويل والتعظيم.
قوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} هذا خطاب موجه إلى غير معين؛ لزيادة التهويل.
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: وفي هذه الآيات عدة مؤكدات تبين هول ذلك اليوم، أولها: الافتتاح بالجملة الاسمية {الْقَارِعَةُ}[القارعة:١].
ثانيها: الاستفهام الذي يفيد التهويل.
ثالثها: الإظهار في مقام الإضمار لأول مرة.
يعني: قال الله عز وجل: ((الْقَارِعَةُ)) ثم قال: ((مَا الْقَارِعَةُ))، وفي غير القرآن يمكن أن يقال: القارعة، ما هي؟ لكن الله عز وجل أظهر في مقام الإضمار:((الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ)) ثم الاستفهام الثاني وتوجيه الخطاب إلى غير معين، ثم الإظهار في مقام الإضمار مرة ثانية، فلم يقل: وما أدراك ما هي؟ بل قال:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} فتكرر اسم القارعة ثلاث مرات، وهذا كله من باب التهويل والتفخيم والتعظيم لما يحصل في ذلك اليوم.